الصالحون في القرآن




لصالحون في القرآن





الصالحون في القرآن
الإعداد
ملك محمد سبطين اكبر









 

الفهرس

 

 

المقدمۃ

الحمد لله على ما أولانا إيمانا خالصا كما آمن به الانبياء والمرسلون، والعارفون الموحدون، ويقينا صادقا كما صدقته الملائكة المقربون، والاولياء والصالحون.
إن ما أجمع عليه، أن للايمان منازل ودرجات، ومراقي عاليات، وللمؤمنين الممتحنين صفات مخصوصات، جعلتهم في الناس مميزين كبدورنيرات، ولاخلاق العوام كارهين بل نابذين، قد يحسبهم الرائي مرضى وما بالقوم من مرض، ولكنهم من خوف الله وجلون، كأنهم قد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم، لما كشف لهم من العذاب الاليم للمجرمين، والنعيم المقيم للصالحين، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، كلما تلوا سورا من القرآن العظيم. هؤلاء الذين هجرت عيونهم في الليل غمضها، وأدت أنفسهم إلى بارئها فرضها، حتى إذا غلب عليها الكرى، افترشت أرضها، وتوسدت كفها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، اولئک ھم اہل البیت عليهم السلام الذين هم أعرف بعلل النفوس وأمراضها، ووساوس الشياطين وأدرانها، فيعينوا الداء، ويصفوا الدواء۔و ھذا ھو الامر شوقنی علی کتابۃ البحث "المومنون الصالحون  فی القرآن"و من خلال ھذا البحث ابحث من ھو اکمل مصداق لھذا الموضوع   ونتبع سبلھم المؤقرۃ.

الفصل الاول

الصالحون لغۃ

المعنیٰ اللغوی : ہذہ المادۃ المترکبۃ من صلح ،تاتی بمعنیٰ التوافق (بین أمرين مختلفين ) و قد تكرر ورود مشتقات هذه المادة في القرأن الكريم  180 مرة في 54سورة و 170 أية.
قال الخليل بن احمد: صلح :الصلاح :نقيض الطلاح .و رجل صالح في نفسه و مصطلح في أعماله و اصلحت الى الدابة:أحسنت اليها.[1]
                     الصَّالِحُ : المستقيم المؤدي لواجباته . والجمع : صُلَحاءُ . 
وربما استعمل في الكثير الوافر ، فيقال : عنده قدرٌ صَالحٌ من المال . 
ويقال : وَاتتْني صَالحةٌ من فلانٍ : نِعْمَةٌ وافرة . والجمع : صَوالِحُ .[2]

قال فخرالدين الطريحي :قوله{قوماً صلحین}[3]                  أي تائبين .وقوله تعالىنبینا من الصلحین} [4]      هو جمع صالح , و هو الذي يؤدي فرائض الله و حقوق الناس.

الصالحون اصطلاحاً

و هم الّذين صلحت نفوسهم و استقامت أحوالهم و طريقتهم باتباعهم شريعة اللّه جلّ شأنه و الدوام على طاعته، فصاروا حججه على خلقه، يحتجّ بهم على من يخرج عن الصراط المستقيم، و بتزكية نفوسهم بصالح الأعمال، فتأهّلوا لفيضه عزّ و جلّ و تهيّؤوا لنعمه و كرامته. و هذه الطائفة هي آخر الطوائف الّتي هي صفوة اللّه تعالى من عباده.
و الصالحين: جمع الصالح، و هو الّذي صلحت حاله و استقامت طريقته. و أمّا المصلح، فهو الفاعل لما فيه الصلاح.[5]
و في الحديث من طريق الخاص و العام أنها لما نزلت أخذ رسول الله (ص) بيد علي(ع) فقال:"أيها الناس هذا صالح المؤمنين. قوله تعالى {أو إصلاح بين الناس}[6] التأليف بينهم بالمودة  في الدعاء اجعل دعائي آخرة صلاحا:هومن الصلاح الذي هو ضد الفساد ,يقال صلح الشيء من باب قعد   و صلح بالضم لغة خلاف فسد. [7]        

معنى الصلاح

صالح يعني صلاحه أن يكون مستقيما مؤديا للمقصود منه، وصلاح الإنسان معناه أن يكون ملائما لتحقيق المقاصد التي تراد من الإنسان. ربنا خلق الإنسان لتحقيق مقاصد ثلاثة أولها عبادة الله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[8]، الأمر الثاني استخلافه في الأرض، أن يكون خليفة الله في الأرض {..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..}[9] ، الأمر الثالث عمارة الأرض {..هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..}[10] ، فصلاح الإنسان أن يكون لائقا بتحقيق هذه المقاصد، ملائما لها، إذا لم يكن صالحا لأداء هذه الأشياء ملائما يعني ليقوم بها لم يعد صالحا، شيء تالف لا يصلح لهذا، فهذا معنى الصلاح الحقيقي.
و قوله تعالیٰ {..مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ..}[11] تقسيم الأمم وتقسيم الأفراد وتقسيم الجماعات، منهم صالحون ومنهم دون ذلك أقل من الصالحين ومنهم فاسدون ومنهم مفسدون في الأرض، الصلاح مقابل الفساد، يعني {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا..}[12] فدائما الصلاح مقابل الفساد. ففي فرد صالح وفرد دون الصالح وفرد فاسد وفرد أكثر من ذلك مفسد في الأرض مثل فرعون ونمرود والجبارين واتباعهم ، إنه كان من المفسدين كما قال الله تعالى عن فرعون {..إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[13]، فالأمم والأفراد والجماعات تختلف ما بين الصالح والفاسد على حسب أيضا إقامتهم لمقاصد الله تعالى من خلقه، هل يعمرون الأرض؟ هل قاموا بحق الخلافة في الأرض بإقامة الحق والعدل؟ هل عبدوا الله وأدوا له حقه؟ بمقدار ذلك نحكم عليهم هل هم صالحون أم غير صالحين.

الفصل الثاني

أهم سمات الصالحین في القرآن

1ـ إیمانهم بالغیب

لا شك أن هذه الصفة أخص صفاتهم، فإنها التی تدعوهم إلى العبادة والانقیاد الكامل لأمر الله عز وجل ونهیه، وهذه الصفة هی أول صفة وصفهم الله تعالى بها فی كتابه.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَیْبَ فِیهِ هُدىً لِلْمُتَّقِینَ الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ وَالَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَیْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ}[14]
وقال: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِیَ الرَّحْمَنَ بِالْغَیْبِ} [15]، وقد كان (ص) منذراً لكل الناس، فذكر هؤلاء لأجل أنهم هم الذین انتفعوا بإنذاره، وهذه الآیة نظیر آیة {قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ فِی آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ یُنَادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِیدٍ}[16]
والدعاة إلى الله ینطلقون من الإیمان بالغیب نحو تعدیل وإصلاح حال الأرض، فهم یرتبطون بذلك الرباط الذی لا ینقطع، حیث أرواحهم رفرافة إلى الجنة وعقیدتهم سائرة على التوحید یرتجون القلب السلیم لیلقوا به ربهم..

2ـ العفو والصفح

وهو خلق علمه (ص)، أن یعفوا عمن ظلمه ویعطی من حرمه، وقد أخبر الله تعالى أن من اتصف بهذه الصفة فأجره على الله تعالى {وَجَزَاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ} [17]
كما رغبهم الله تعالى فی مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال تعالى فی سورة النور: {وَلْیَعْفُوا وَلْیَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ یَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ}[18]. وقال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِینَ الْغَیْظَ وَالْعَافِینَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ}[19]. كما قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [20]
فعلى الداعیة إلى الله أن یعفوا وأن یصفح وأن یكون خیر الناس صفحاً وأن یمثل القدوة والمثال فی ذلك قولاً وعملاً وتطبیقاً، فكم أوذی الصالحون وغفروا، فهل تنتقم لنفسك أیها الداعیة لقول سوء قیل فیك؟ أفأنت خیر من هؤلاء الأخیار؟!

3۔ الاحسان بالوالدین

                                                و یمکن ان نستفید بھذہ الآیۃ من سمات الصالحین الاحسان بالوالدین وھو واجب علینا،واللہ تعالیٰ عزوجل عد الاحسان فی الصلاۃ کقولہ : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ }[21]

4 ۔الاحسان بالزوج والذریۃ

                                                یمکن نستفید من نفس الآیۃ {...وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ } الاحسان بالزوج و الذریۃ لکی بالمقابلۃ ھم یختارون سلوک الاحسان ،و ایضاً بعبارۃ القرآن الکریم ھو سبب دخول الجنۃ.

5۔الزواج من الصالحين

                                                وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ[22]
في هذه الآية علاج لمفهوم اجتماعيّ طبقيّ يرتكز على أساس اعتبار الثروة عنصرا حيويّا في إقامة العلاقات الزوجية بين الناس، مما يجعل المجتمع يرفض الفقير أو الفقيرة اللذين يريدان الزواج مهما كانت درجة        الكفاءة العلمية و الروحية و الأخلاقيّة التي يتمتعان بها، و يقبل في المقابل الغني حتى لو لم يكن لديه شيء من كفاءة العلم و الروح و الأخلاق.
و على ضوء هذا، فلا تتوقفوا عن تسهيل تزويجهم بل ادرسوا أخلاقهم، و اتركوا مسألة الفقر و الغنى للّه، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بما يتفضل به على عباده وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ فلا يضيق عنه شيء، و لا يضيق بأيّ شيء، و لا يخفى عليه شيء من أمور عباده و من شؤون الحياة التي تحيط بهم [23].
و قد جاء الحديث الشريف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: «إذا أتاكم من ترضون دينه و أمانته فزوّجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فساد كبير ..»[24] ، مما يؤكد استحباب تزويج صاحب الخلق و الدّين و إن كان فقيرا، و يوحي بخطورة الاستغراق في الجانب المالي من شخصية الزوج، لأن ذلك يؤدي إلى إفساد العلاقات الزوجية بإبعادها عن العناصر الأساسية لإنجاحها و هي صفات الإنسان الذاتية.

الفصل الثالث

 من ھم الصالحون؟

هم المؤمنون هم المتقون هم أولو الألباب في القرآن، هم الأبرار هم عباد الرحمن {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}[25] إلى آخره {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[26] أصل الصلاح هو انبثاق من الإيمان من ثمرات الإيمان، الإيمان الحقيقي هو الذي يثمر الصالحات، عمل الصالحات لذلك القرآن دائما يقرن بين الإيمان والعمل الصالح، عمل صالحا أو عملوا الصالحات {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً }[27]، {وَالْعَصْرِ،إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[28]
كلمة الصالحات كلمة قرآنية من التعبيرات القرآنية الجامعة يعني تشمل كل ما يصلح به الفرد وما تصلح به الأسرة وما تصلح به الجماعة وما تصلح به الأمة، ما يصلح به الفرد روحيا وما يصلح به عقليا وما يصلح به بدنيا وما يصلح به نفسيا، هذه هي كلمة الصالحات، بدل ما يقول أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وكفلوا اليتيم ورعوا الفقراء وعملوا كذا، يقول عملوا الصالحات ليشمل الصالحات في الدين والصالحات في الدنيا، ما تصلح به الدنيا وما يصلح به الدين معا، كل ده تشمله كلمة الصالحات.

الصالحين في القرآن

قال تعالى على لسان النبي سليمان (ع): {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [29] فهل معنى هذا الطلب أنه عليه السلام لم يكن من الصالحين؟ وكذلك قوله تعالى: }وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [30] في شأن النبي إبراهيم (ع)، هل معناه أنه لم يكن من الصالحين في الدنيا ؟
ليس المراد من عنوان الصالحين في الآية المباركة المعنى المقابل للفاسدين فإنَّ الدعاء بذلك من تحصيل الحاصل، إذ لا يكون العبد نبيَّاً حتى يكون صالحاً بهذا المعنى وقد وصف الله تعالى بعض أنبيائه بالصالحين بعد أن نعتهم بأوصاف هي أعلى من وصف الصالحين بالمعنى المقابل للمفسدين وهو ما يؤكد عدم إرادة هذا المعنى من هذا العنوان.
قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}[31] فالآية قد وصفت يحيى (ع) بأنَّه من الصالحين رغم أنها قد وصفته قبل ذلك بأنه من الأنبياء.
وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ/ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}[32] فالآية امتدحت عيسى (ع) بالوجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين وأخبرت عن إكرام الله تعالى له بأنْ منحه القدرة على الكلام في المهد، وكل هذه النعوت تفوق الوصف بالصلاح بالمعنى المقابل للفساد والضلال وهو ما يؤكد أن المراد من قوله: {مِّنَ الصَّالِحِينَ} ليس هو المعنى المقابل للفساد.
وكذلك هو قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}[33] وقوله تعالى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا... وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[34].
وبناءً على ذلك فإنَّ الظاهر من قوله تعالى: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[35] أنَّ ثمة درجة عند الله تعالى لا يحظى بها الكثير من عباده حتى الأبرار منهم، هذه الدرجة يمكن التعبير عنها بمقام الصالحين، فسليمان (ع) رغم أنَّ له مقام النبوة إلا أنَّه يطمح في أن يمنحه الله عز وجل هذه الدرجة، لذلك سأل ربه جلَّ وعلا أن يجعله ضمن مَن يحظون بهذا المقام. والمؤكد لإرادة هذا المعنى من الآية مضافاً لما ذكرناه قوله تعالى إخباراً عن حال إبراهيم: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[36] وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[37] وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[38]       فإنه لا معنى للإخبار عن أنَّ إبراهيم يكون في الآخرة من الصالحين بالمعنى المقابل للفاسدين.
فإنَّه بعد أن كان إبراهيم (ع) ممن اصطفاهم الله تعالى لرسالته وهو كما أخبر القرآن عنه بأنه:{كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا}[39] وأنه من الموقنين وقد أراه الله ملكوت السماوات والأرض قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[40] وقال عنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}[41] و{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}[42] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا}[43] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ/ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ/ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ}[44] وقد جعل له مقام الإمامة فقال جلَّ وعلا: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[45].
الصالحین هي فئة ذات أوصاف معينة كالمتقين كالمؤمنين كالصديقين يعني جماعة لها أوصاف معينة، يعني رب اجعلني منهم يعني احشرني في زمرة المتقين أو اجعلني مع المؤمنين، كذلك الصالحين، كذلك نبی الله  إبراهيم (ع) يقول {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[46] ، نبي الله يوسف يقول {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[47]،
  نبي الله سليمان(ع) حينما سمع النملة وفهم كلامها {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[48]،
فالكل يتمنى أن يكون في هؤلاء الصالحين والله تعالى يقول {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}[49]
وقال عن نبي الله عيسى (ع) {..وَمِنَ الصَّالِحِينَ}[50] وأيضا يحيى (ع) من الصالحين {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ}[51]، الأنبياء وصفهم الله بأنهم من الصالحين مما يدل على أن الصالحين و هذا  يعني ليست شيئا ،. إنسان آمن وعمل صالحا وقام بواجبه نحو ربه ونحو نفسه ونحو أسرته ونحو مجتمعه ونحو أمته ونحو الإنسانية جمعاء ونحو الكون الكبير، هذا معنى الصلاح والصالح.
فبعد كلِّ هذه النعوت التي لم يحظى بها أكثر الأبرار من عباد الله تعالى لا يصح استظهار إرادة الصالحين بالمعنى المقابل للفاسدين من قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، بل يتعين استظهار أن معنى الصالحين عنوان لوسامٍ من الأوسمة الإلهية التي يمنحها الله عز وجل للخاصة من أوليائه. وأما أنَّ إبراهيم (ع) في الآخرة من الصالحين فهذا لا يعني أنه ليس منهم في الدنيا، وذلك لأن معنى: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} هو أن جزاءه في الآخرة هو جزاء من مُنح وسام الصالحين. فالآية بصدد بيان المرتبة من النعيم التي سيُمنحها إبراهيم يوم القيامة.
فالآيات الثلاث كانت بصدد بيان ما منحه الله عزوجل لإبراهيم في الدنيا وما سيمنحه إيَّاه في الآخرة، فالآية الأولى أفادت أنه تعالى منحه الإصطفاء في الدنيا وهو في الآخرة من الصالحين، والآية الثانية أفادت أنه تعالى أعطاه أجره في الدنيا وإنَّه في الآخرة من الصالحين، والآية الثالثة أفادت أنه أعطاه في الدنيا حسنة وإنَّه في الآخرة من الصالحين، فقوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} بيان لما سيُعطاه إبراهيم في الآخرة وأنه سيُعطى النعيم الذي ادخره الله تعالى لمن حظيَ بمقام الصالحين.
وهكذا فإنَّ معنى قول سليمان (ع): {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} هو إمَّا إنه يسأل الله تعالى أن يمنحه مقام الصالحين أو إنه يسأل الله تعالى أن يمنحه النعيم الذي فرضه الله في الآخرة لمن حظي بمقام الصالحين.
وكلاهما ينتهيان إلى معنىً واحد وهو الدعاء بأن يجعله الله تعالى ضمن مَن منحهم الله مقام الصالحين، إذ أنَّ كلَّ من أُعطي هذه المرتبة فإنَّه سوف يُعطى في الآخرة نعيم هذه المرتبة.
وأما ما هي حقيقة مقام الصالحين فهو أمر لا ندركه، وكلُّ ما نعلمه هو أنَّ مقام الصالحين من المقامات السامية عند الله تعالى ويطمح في نيلها حتى الأنبياء كما هو المستفاد من قوله تعالى على  لسان سليمان: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} وقوله تعالى على لسان إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[52] وقوله تعالى على لسان يوسف (ع): {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ... تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[53]
فدعاء يوسف بأن يُلحقه الله بالصالحين كان بعد النبوة وبعد أن علَّمه الله تأويل الأحاديث، وهو ما يُعبِّر عن سمو المقام الذي يسأل يوسفُ ربَّه أن يمنحه إياه ويلحقه بَمن حظي به من عباده.
وقد ورد في الروايات أن الصالحين هم النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع) [54].
ويمكن تأييد ذلك بقوله تعالى لنبيِّه محمد(ص): {قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ/ إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}[55].
                                                وكذلك يمكن تأييده بقوله تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}[56]، فقد ورد في الروايات من طرقنا وطرق العامة أن صالح المؤمنين هو علي بن أبي طالب (ع)[57].
وكذلك ورد من طرقنا وطرق العامة عن الرسول الكريم (ص) أنه قال لفاطمة (ع) بعد أن زوَّجها من علي (ع): "والذي نفسي بيده لقد زوجتك سيداً في الدنيا وأنَّه في الآخرة لمن المصلحين"([58]. فالنبي (ص) يُقسم بالله تعالى أنَّ علياً ممن له مقام الصالحين. وورد أيضاً عن أسماء بنت عميس قالت لما نزل قوله تعالى: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} قال النبي (ص) لعلي: ألا أبشرك أنك قرنت بجبرئيل ثم قرأ الآية فقال: فأنت والمؤمنون من أهل بيتك الصالحون.
روى ذلك القندوري في ينابيع المودة عن أبي نعيم الحافظ والثعلبي وقال أخرجا بسنديهما عن أسماء بنت عميس وروى قرياً منه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بسنده عن عمار بن ياسر وقال رواه أيضاً السبيعي.[59]

الفصل الرابع

الإيمان و العمل الصالح

قد حكي عن بعض أرباب الكلام: أنّ حقيقة الإيمان مرهونة بالأعمال الصالحة، و لو لم يعقّب بها لا يعدّ من الإيمان   [60]و استدلّ الخصم: بأنّ قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ و أمثاله الكثيرة تشهد على بطلان الرأي المذكور للزوم التكرار[61].
وفيه: أنّ التكرار غير لازم لأنّ الأعمال ليست داخلة في مسمّى الإيمان وضعا، بل هي من لوازمه العقلية.
و ثانيا: التكرار كثيرا ما وقع، و لا بأس به.
 و ثالثا: هذا ليس من قبيل ذلك التكرار، بل هو نظير توصيف «النبأ» بالعظيم، مع أنّ النبأ هو الخبر العظيم، و من قبيل تقييد الإسراء- في سورة الإسراء- بالليل، مع أنّ الإسراء هو السير في الليل، و ربّما يعد ذلك من المحسّنات لأنّه من التجريد و التفريد، ثمّ التعظيم و التفخيم لأهميّة الأعمال الصالحة، كما هو كذلك جدّا.[62]
و الذي هو التحقيق: أنّ الإيمان له مراتب بعدد المؤمنين، فمن المرتبة الشامخة ما لا يستتبع الفساد حتّى في الوهم و الخيال، و من المراتب الدانية ما يتعانق مع الأباطيل في الأفعال و الأقوال، فالإيمان بما هو هو يجتمع مع الإلحاد العملي و إن لم يكن إيمانا راقيا أو منجيا و يكون وديعة و مستودعا و زائلا أحيانا ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ .

1.جذور العمل الصالح ترتوي من الإيمان

العمل الصالح: مصطلح له من سعة المفهوم ما يضم بين طياته جميع الأعمال الإيجابية و المفيدة و البناءة على كافة أصعدة الحياة العلمية و الثقافية و الاقتصادية و السياسية و العسكرية ,      و يشمل الاختراع الذي يبذل فيه العالم جهده سنوات طويلة من أجل خدمة الإنسانية .. جهاد الشهيد الذي حمل روحه على كفه و خاض ساحة الصراع بين   الحق و الباطل فبذل دمه الشريف في سبيل اللّه .. الآلام التي تتحملها الأمّ المؤمنة عند الولادة و ما تواجه من صعاب في تربية أبنائها .. و تشمل ما يعانيه العلماء في تحرير كتبهم الثمينة.[63]
و تشمل أيضا: أعظم الأعمال، كحمل رسالة النبوة .. و أقل و أصغر الأعمال، كرفع حجر صغير من طريق المارة، نعم، فكل ما ذكره يدخل ضمن مفهوم العمل الصالح.
و الحال هذه .. يواجهنا «السؤال» الآتي: لما ذا قيّد العمل الصالح بشرط الإيمان، في حين يمكن أداؤه بدون هذا الشرط، و الساحة البشرية فيها كثير من الشواهد التي تحكي ذلك؟
و «الجواب» ينصب على تبيان مسألة واحدة، ألا و هي (الباعث الإيماني)، فإن لم يحرز هذا الباعث فغالبا ما تكون الأعمال المنجزة ملوّثة (و قد تشد عن هذه القاعدة العامّة بعض المتفرقات هنا و هناك)، و أمّا إذا ارتوت جذور شجرة العمل الصالح من ماء التوحيد و الإيمان باللّه، فنادرا ما يصيب هذا العمل آفات مثل: العجب، و الرياء، الغرور، التقلب، المنّة .. إلخ، و لذلك نرى القرآن الكريم غالبا ما يربط بين هذين الأمرين، لما لارتباطهما من واقعية.
و نوضح المسألة في مثال: لو افترضنا أنّ شخصين أرادا بناء مستشفى، أحدهما يدفعه الباعث الإلهي لخدمة خلق اللّه، و الآخر هدفه التظاهر بالعمل الصالح و الحصول على السمعة و المكانة الاجتماعية المرموقة.
و في النظرة الأولى و بتفكير سطحي يمكننا أن نقول- إنّ المستشفى ستقام، و سيستفيد الناس من عملهما على السواء، و صحيح أن أحدهما سيحصل على الثواب، الإلهي و الآخر لا يحصل عليه، و لكنّ ظاهر عمليهما لا اختلاف فيه.
و كما قلنا فإنّ هذا القول ناتج عن رؤية سطحية للموضوع، أمّا لو أمعنا النظر لرأينا أنّهما مختلفان من جهات متعددة، فعلى سبيل المثال: إنّ الشخص الأوّل           سينتخب مكانا لمستشفاه يكون قريبا من أكثر طبقات المنطقة فقرا و حرمانا، و لربّما تكون في محلة غير معروفة و منزوية، أمّا الشخص الثّاني فإنّه سيبحث عن منطقة أكثر شهرة حتى و إن كانت حاجتها للمستشفى قليلة جدّا.[64]و سيسعى الشخص الأوّل في انتخاب مواد البناء و طريقته بما يلحظ فيه المستقبل البعيد، و يحكم أساس البناء ليصمد البناء لسنين طويلة، أمّا الشخص الآخر فإنّه سيحاول أن يسرع في البناء و تعجيل افتتاح المستشفى و يكثر الضجيج و الإعلام لينال مراده. و سيجدّ الأوّل في إحكام باطن العمل في حين أنّ الثّاني سيهتم بمظهره و رونقه. و عند انتخاب الأقسام الطبية، الأطباء، الممرضين و سائر احتياجات المستشفى، فثمّة اختلاف كبير بين الشخصين، فاختلاف النيّة يترك أثره على جميع مراحل و شؤون العمل و بعبارة أخرى: إنّ العمل يصطبغ بصبغة النيّة.

2.  العمل الصالح برنامج مستمر

الآيات المذكورة أ{قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً }[65] علاه عند ما تتحدّث عن المؤمنين، تعتبر العمل الصالح بمثابة برنامج مستمر، إذ أنّ كلمة يعملون في قوله تعالى: يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ فعل مضارع، و الفعل المضارع يدل على الاستمرارية، فالعمل الصالح يمكن أن يصدر صدفة أو بسبب ما عن أي شخص، فلا يكون حينئذ دليلا على الإيمان الصادق، لكن استدامة العمل الصالح دليل الإيمان الصادق.

3.تأثير العمل الصالح وجزاؤه في الدنيا والآخرة 

القرآن الكريم ذكر أن الإيمان هو العصمة من كل سوء ومن كل خسر كما قال الله تعالى {وَالْعَصْرِ،إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[66]، {..وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ..}[67] يعني دائما القرآن يقول لنا هذا الصنف من الناس يعني ليس مبذولا في، لا، هم قليلون عادة، أكثر الناس غافلون عن الله {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ..}[68] ، {..وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}[69]، {..وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[70]     إنما هذه القلة هم ملح الأرض كما قلت، الصالحون من عباد الله عز وجل، فهؤلاء استثناهم الله سبحانه وتعالى وجعل الإيمان هو العاصم لهم من أن يضيعوا مع الضائعين، لأن الإيمان هو قوة هادية وقوة حافزة تحفز على الخير، وقوة رادعة تردع عن الشر والسوء. الذي جعل نبي الله يوسف وهو شاب في مقتبل العمل وفي ريعان الشباب وغريب عن بلده لايعرفه أحد والفتنة جاءت تسعى إليه، لم يسع هو إليها، وجاءت امرأة العزيز وهيأت الأسباب {..وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[71]    ما الذي عصم يوسف من الوقوع في الفتنة وفي هوى المرأة ويسير فيما تطلبه؟ الإيمان، حتى المرأة حينما هددته بالسجن {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}[72]     الذي عصمه من هذا كله هو الإيمان بالله عز وجل وبالدار الآخرة وبالجزاء عند الله سبحانه وتعالى.
نلاحظ من خلال سيرة الأنبياء والصالحين من بعدهم قد عانوا وعاشوا حياة صعبة وفيها بلاء وابتلاء۔
 هو لا بد أن نعرف ما هي الحياة الطيبة، القرآن يقول {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ..}[73] انظر شرط، هذا شرط وهو مؤمن، العمل الصالح وحده لا يغني ینبغي ان يكون مؤسسا على الإيمان {..فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..} أي في الدنيا {..وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [74] في الآخرة.
 الحياة الطيبة في الدنيا هي سكينة النفس، أن يشعر الإنسان بالرضا عن الله والرضا عن الكون والرضا عن الحياة أن يكون عنده أمل لا ييأس أبدا {..إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[75]، أن يشعر بالأمن النفسي {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}[76] ولذلك تراه مبتسما وإن عبس الناس راضيا وإن سخط الناس مطمئنا وإن قلق الناس،لماذا؟لان أساس هذه الإيه؟ هو الإيمان الذي في قلبه {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ..}[77] ، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[78] حتى إن بعض الصالحين كان يقول إننا نعيش في سعادة لو علم بها الملوك لجلدونا عليها بالسيوف.
السعادة الروحية سعادة القلوب ليس سعادة المادة ولا الاموال ولا هذه. كثير من الناس الذين يملكون الملايين أو البلايين والذين يملكون القصور والقناطير المقنطرة والذين يستطيعون أن يأمروا وينهوا وينفذوا، أصحاب سلطان ومناصب ولكنهم أشقياء في الدنيا لأنهم حرموا من هذا الإيمان {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً..} الضنك هنا ضنك النفوس {..وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}[79]، فالأنبياء الذين ذكر النبي أنهم أشد الناس بلاء في الدنيا كانوا مع هذا يحييون حياة طيبة بإيمانهم ويقينهم ورضاهم عن ربهم ورضا ربهم عنهم، {..رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ..}[80].

الخاتمۃ

قال عزوجل      {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِير}   [81]
و قال تعالیٰ ایضاً :{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ  }[82]
الصالحون والمتقون ،المومنون الزھاد المخلصون الطیبون و نحوھا کل ھذہ الصفات جیدۃ و طیبۃ  لصالحین  ولکن نجد فی ھذہ الدنیا کثیر من الصالحین فی مختلف مجالاتھم مثل  اودیسون اختر ع الکھرباء ،و ابراھم اخترع الھاتف و نحوھم  ،فھل نعد کلھم بصالحین ام لا ؟ نجیب علی ذلک بان یمکن نعدھم بصالحین لکن لا بمعنی حقیقی  یعنی قرآنی  لان حقیقۃ عمل صالح مع شرط الایمان کما قال عز وجل مرات فی کتابہ الشریف ،لانھم كانوا في موقع الجدّية في مواجهة الحقيقة، في ما هو الفكر و السلوك، كما كانوا في موضع الشكر للَّه في نعمه، فكان الإيمان مظهر خضوع و شكر للَّه، و كان العمل بالصالحات تجسيدا، دليل روحية الخير في نفوسهم، باعتبار ما يمثله ذلك من الانسجام مع الخط المستقيم في الحياة المنفتحة على مواقع أمر اللَّه و نهيه،         و لذلك كانوا خير البريّة، لأن قمّة الخير هي أن ينقاد الإنسان لربه لتكون حياته العقلية و العملية مرتبطة بربه، كما كان وجوده في بدايته و استمراره مربوطا به.
والحمد للہ رب العالمین



منابع


1.        القرآن الكريم
2.       شريف الرضى، محمد بن حسين نهج البلاغة( للصبحي صالح), هجرت,الطبعة: 1414 ق,قم
3.     الفراهيدي، خليل بن أحمد, :كتاب العين, منشورات الهجرة, الطبعة:1410 ه, قم
4.     المعجم: المعجم الوسيط
5.     ۔ النوري، مستدرك الوسائل، دار الكتب الإسلامية
6.  الموسوي السبزواري، السيد عبد الأعلى, مواهب الرحمان في تفسير القرآن, موسسة أهل البيت عليهم السلام, لطبعة 1409 ه, بيروت
7.     الفراهيدي، خليل بن أحمد, كتاب العين, منشورات الهجرة, الطبعة :1410 ه, قم
8.     مواهب الرحمان في تفسير القرآن
9.     فضل الله، السيد محمد حسين, تفسير من وحي القرآن, دار الملاك للطباعة و النشر, الطبعة:1419 ه, بيروت
10.                 ابن بابويه، محمد بن على‏, الخصال‏,جامعه مدرسين‏, الطبعة:1362 ش‏, قم‏
11.       الحسكاني، عبيد الله بن أحمد, شواهد التنزيل لقواعد التفضيل, شواهد التنزيل لقواعد التفضيل, الطبعة:1411 ه, طهران
12.       الخميني، السيد مصطفى, تفسير القرآن الكريم( الخميني), مؤسسة نشر تراث الإمام الخميني( ره), لطبعة:1418 ه
13.       مكارم شيرازي، ناصر, الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل, مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام, الطبعة:1421 ه, قم





.كتاب العين 3/117[1]
. المعجم: المعجم الوسيط [2]
 .سورة اليوسف:9[3]
. سورة آل عمرآن:39[4]
۔ مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏9، ص: 9[5]
. سورة النساء :114[6]
. مجمع البحرين :2/382,389[7]
۔ سورة الذاريات:56 [8]
۔ سورة البقرة:30[9]
۔ سورة هود:61[10]
۔ سورة الأعراف:168[11]
۔ سورة الأعراف:56[12]
۔ سورة القصص:4[13]
. سورة البقرة:2-4.[14]
. سورة يس: 11[15]
. سورة فصلت: 44[16]
. سورة الشورى:40[17]
. سورة النور: 22[18]
. سورة آل عمران: 134[19]
. سورة البقرة 237[20]
. سورة الرعد :23[21]
۔ سورة النور: 32[22]
۔ تفسير من وحي القرآن، ج‏16، ص: 309[23]
۔ النوري، مستدرك الوسائل، دار الكتب الإسلامية، ج: 14، باب: 24، ص 188، رواية:16466[24]
. سورة الفرقان:63[25]
. سورة المؤمنون:1، 2[26]
. سورة الكهف:107[27]
. سورة العصر:1-3[28]
. سورة النمل :19[29]
. سورة البقرة:130[30]
. سورة العمران: 39[31]
. سورة العمران: 45-46[32]
. سورة الصافات:112[33]
. سورة الانبياء :74[34]
. سورة النمل:19[35]
. سورة البقرة :130[36]
. سورة العنقبوت: 27[37]
. سورة النحل :122[38]
. سورة النحل :120[39]
. سورة الانعام :75[40]
. سورة التوبة/114 [41]
. سورة هود/75[42]
. سورة مريم/41[43]
. سورة ص/ 45-47[44]
. سورة البقرة/124[45]
. سورة الشعراء:83[46]
. سورة يوسف:101[47]
. سورة النمل:19[48]
. سورة العنكبوت:9[49]
. سورة آل عمران:46[50]
. سورة الأنعام:85[51]
. سورة الشعراء:83[52]
.سورة اليوسف :101[53]
. الخصال للشيخ الصدوق: 308.[54]
. سورة الأعراف:195- 196[55]
. سورة التحريم:4[56]
 شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج2/ 332، 343، 350، نظم السمطين للزرندي الحنفي: 91، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج42/ 361، تفسير مجمع البيان للطبرسي ج10/ 59، كشف الغمة للأربلي ج1/ 320، ينابيع المودة للقندروزي ج1/ 277 وشرح احقاق الحق     للمرعشي ج4/ 307، ج14/ 279.[57]
. شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج 25 ص 393، المصنف للصنعاني ج5/ 479، الأحاديث الطوال للطبراني: 140، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: 188، المعجم الكبير للطبراني ج22/ 412، ج24/ 134، تفسير ابن أبي حاتم الرازي ج1/ 238.[58]
. شواهد التنزيل للحسكاني ج2/ 347[59]
۔ راجع نقد المحصّل: 401، و شرح المواقف 8: 323.[60]
۔ التفسير الكبير 2: 127.[61]
۔ تفسير القرآن الكريم (الخميني)، ج‏5، ص: 73
[62]
۔ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏8، ص: 316
[63]
۔ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏8، ص: 317[64]
۔ سورۃالكهف: 2 [65]
. سورة العصر:1- 3[66]
. سورة ص:24[67]
. سورة الأعراف:179[68]
. سورة غافر:59[69]
. سورة غافر:61[70]
. سورة يوسف:23[71]
. سورة يوسف:33[72]
. سورة النحل :97[73]
. سورة النحل :96[74]
. سورة يوسف:87[75]
. سورة الأنعام:82[76]
. سورة الفتح:4[77]
. سورة الرعد:28[78]
. سورة طه:124-126[79]
. سورة المائدة:119[80]
. سورۃالحج :23[81]
. سورة البينة:7- 8[82]

Comments

Popular posts from this blog

الذكر الكثير في القرآن و السنة

جمع القرآن الكريم