الآیۃ التطہر فی نظر مفسری اہل السنہ فی قرن الرابعۃ العشر
الفهرس
الآیۃ التطہیر في نظر
مفسري اہل السنة في قرن الرابع عشر
المقدمة
{إِنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً}
تعد هذه الأية الشريفة – وفقا لروايات العامۃ و
الخاصۃ – من اشھر ما نزل فی واقعۃ معینۃ تخص ثلۃ خاصۃ من اقرباء النبی (ص)،ولا ریب
فی دلالۃ ھذہ الآیۃ علی افضلیۃ اھل البیت (ع) و طھارتھم و منزلتھم ۔ ان خلاصۃ
مدلول ھذہ الآیۃ درر مر صعۃ بالفضیلۃ والطھارۃ
و الکفاءۃ ،و استحقاق مرتبۃ الخلافۃ العظمیٰ ،
و
ان قلنا : ان ھذہ الصفوۃ من عباد اللہ تمسکوا بھذہ الآیۃ ، و اثبتوا علی اساسھا فی عشرات الموارد تفوقھم و افضلیتھم علی غیرھم
۔لما کان قولنا جزافاً۔۔۔۔۔۔۔۔۔
والوقوف
علی دلالۃ ھذہ الآیۃ الکریمۃ و الاحاطۃ بمفادھا العمیق یتطلب المزید من الدراسۃ و التحری و التحقیق ،و
للوھلۃ الاولی-اذا ما صرفنا النطر عن الروایات – نری ان البحث ینبغی ان ینصب علی
نکات خمس رئیسیۃ جدیرۃ بالاھتمام:
النکتۃ
الاولی: کون الآیۃ الکریمۃ قد ذکرت خلال آیات خاطبت زوجات النبی(ص) و عند التدقیق
یتضح ان لا علاقۃ لھا بھا تیک النسوۃ۔
النکتۃ
الثانیۃ : المفارقۃ التی تسجل حول الآیۃ بلحاظ شان نزولھا من جھۃ، وقد نزلت بصورۃ
مستقلۃ فی مورد خاص،و کان محل نزولھا بیتاً من بیوت نساء النبی (ص)،ومن جھۃ اخریٰ
ترتیبھا فی طریق التدوین ،الذی تخلل آیات
تتحدث عن نساء النبی(ص) بحث جاءت مقحمۃ فی سیاق {وَقَرْنَ
فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ
الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرًا}[1]
النکتۃ
الثالثہ :البحث فی المقصود من "الارادۃ " فی قولہ تعالیٰ : " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ۔۔۔۔۔۔۔ "
النکتۃ الرابعۃ : ما ھو "الرجس" فی النظرۃ القرآنیۃ ؟ لیکون
مبیناً لنفی الرجس بصورۃ مطلقۃ فی الآیۃ الشریفۃ۔
النکتۃ الخامسۃ : البحث فی عبارۃ " اھل البیت "ھل ھی اصطلاح خاص
ام مفھوماً عاماً یشمل جمیع اقرباء رسول اللہ(ص) ، ام انھا من العناوین
المشیرۃ التی لا یلحظ فیھا المفھوم ؟ و
بعبارۃ اخری : ھل عبارۃ : اھل البیت" ملحوظۃ بالمعنی الوصفی فی الآیۃ الشریفۃ
ام انھا مشیرۃ جماعۃ معینۃ ؟
ذکرت
ھنا محتویٰ ھذہ سورۃ و الآن اذکر نظریات و اراء لعلماء و مفسری اھل السنۃ حول
ھذہ الآیۃ الکریمۃ :
عبد الکریم الخطیب
ہومن المحققی القرآن المعاصرین فی مصر ،و
من اتباع االمذھب الشافی ،فی ھذا التفسیر یعتبر فی ضمن التفاسیر العقلیۃ التحلیلیۃ
ھو قال فی تفسیر ہ
التفسير القرآنى للقرآن قوله تعالى: « إِنَّما يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً».
أي إن هذا لذى
يدعى إليه نساء النبي من أدب السماء، هو لما يريد اللّه سبحانه و تعالى لهن من
طهر، يتناسب مع مقامهن، و يتلاقى مع انتسابهن إلى النبي .. «و أَهْلَ الْبَيْتِ»
منادى، و في النداء تذكير لنساء النبي بهذا النسب الكريم الذي ينتسبن إليه، و أنهن
أهل بيت النبي.
- و قوله تعالى: «وَ يُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً» توكيد لهذا الطهر الذي يريد اللّه سبحانه و تعالى أن يضفيه على أهل
بيت النبي .. فهو طهر خالص، لا تعلق به شائبة من دنس، أو رجس .[2]
أل سعدي عبد الرحمن بن ناصر
وھو من اھل
السنۃ و حنبلی المذھب و کتب ھذا التفسیر" تيسير الكريم الرحمن "وفق
المنھج الروائی ھو کتب حول تفسیر إِنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ بأمركن بما أمركنّ به، و
نهيكن عمّا نهاكنّ عنه.
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أي: الأذى، و الشر، و الخبث، يا أَهْلَ الْبَيْتِ
وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً حتى تكونوا طاهرين مطهرين. أي: فاحمدوا ربكم، و
اشكروه على هذه الأوامر و النواهي، الّتي أخبركم بمصلحتها، و أنها محض مصلحتكم، لم
يرد اللّه أن يجعل عليكم بذلك حرجا و لا مشقة، بل لتتزكى نفوسكم، و تتطهر أخلاقكم،
و تحسن أعمالكم و يعظم بذلك أجركم. و لما أمرهن بالعمل، الذي هو فعل و ترك، أمرهن
بالعلم، و بين لهن طريقه.[3]
ملا حويش أل غازي عبدالقادر
من المحققي القرآن المعاصری اھل السنۃ ھو فسر فی تفسیرہ"
بيان المعاني" ھذہ
الآیۃ { إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ}
الرجس يشمل أنواع الإثم كلها يا أهل بيت محمد، و يا آل محمد، و يا أمة محمد، و
نصب أهل هنا على النداء أحسن و أليق منه على الاختصاص لزيادة الشرف بندائهم من قبل
ذي الجلال و الإكرام الدال على التعظيم و التبجيل. ثم أكد انمحاق الرجس عنهم و
محوه بالكلية بقوله {وَ يُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً}
رجالا
و نساء و لذلك ذكر الضمير، و تدل هذه الآية على أن نسائه من أهل بيته و هو كذلك، و
يراد بأهل البيت عند الإطلاق آله صلّى اللّه عليه و سلم و هم آل علي و آل عقيل و
آل جعفر و آل العباس، و تشير الأوامر أوائل هذه الآية إلى شمول نساء المؤمنين كافة
لأن الأمر بالصلاة و الزكاة و الطاعة لا يختص بنساء النبي فقط بل يعم غيرهن من
المسلمات أجمع، أما آخرها فهو خاص بنساء النبي .[4]
الشیخ محمد بن عمر النوری الحاوی
ھو من اھل السنۃ شافعی الفقہ و اشعری العقیدۃ ،المشاھد فی تفسیر الآیۃ التطھیر
فی تفسیرہ " مراح لبيد لكشف المعني القران الكريم" ان المراد من "إِنَّما
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ" أي عمل الشيطان
و ما ليس فيه رضا الرحمن- كما قاله ابن عباس- أو الذنب المدنس بعرضكم، أَهْلَ
الْبَيْتِ، أي يا أهل بيت النبوة.
و
أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: نولت هذه الآية في نساء النبي
صلّى اللّه عليه و سلّم خاصة. "وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً "أي يلبسكم
خلع الكرامة، فذهاب الرجس كناية عن زوال عين النجاسة، و التطهير كناية عن تطهير
المحل. وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ أي اذكرن
للناس بطريق العظة ما يتلى في بيوتكن من القرآن، و كلمات النبي صلّى اللّه عليه و سلّم
إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ۔[5]
مراغي احمد بن مصطفى
قال المفسر في تفسيره
"
تفسير المراغي "إنما يريد اللّه ليذهب عنكم السوء و الفحشاء يا أهل بيت الرسول
و يطهركم من دنس الفسق و الفجور الذي يعلق بأرباب الذنوب و المعاصي.[6]
محمد بن
عمر النووي الجاوي
قال المصنف أى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ، أي عمل الشيطان و ما
ليس فيه رضا الرحمن- كما قاله ابن عباس- أو الذنب المدنس بعرضكم، أَهْلَ
الْبَيْتِ، أي يا أهل بيت النبوة. وأخرج الترمذي حديثا أنه لما نزلت هذه الآية دعا
النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فاطمة، و حسنا، و حسينا، و عليا، و قال: «اللهم
هؤلاء أهل بيتي»
«1».
و أخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: نولت هذه الآية في نساء النبي
صلّى اللّه عليه و سلّم خاصة.
وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أي يلبسكم خلع الكرامة، فذهاب
الرجس كناية عن زوال عين النجاسة، و التطهير كناية عن تطهير المحل.[7]
قاسمي محمد جمال الدين
محمد جمال الدين بن
محمد سعید فک قاسم الحلاق المعروف بالقاسمی ،امام اھل الشام فی دمشق من الزعماء
السیاسیین الذین کافحواضد الاستعمار فی الشام،فھو الجمع بین الماثور و المعقول و
طرح آراء الماضین و نظریات المعاصرین۔
أشار إلى في تفسيره " محاسن التأويل" أن
مخالفتهما رجس لا يناسب فضل أهل البيت بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا ًأي ما أمركنّ و نهاكنّ، و
وعظكنّ، إلا خيفة مقارفة المآثم و الحرص على التصوّن عنها بالتقوى. فالجملة
تعليلية لأمرهنّ و نهيهن على سبيل الاستئناف.[8]
قال الزمخشري: استعار للذنوب (الرجس) و للتقوى (الطهر). لأن عرض المقترف
للمقبحات يتلوّث بها و يتدنس كما يتلوّث بدنه بالأرجاس. و أما المحسنات فالعرض
معها نقيّ مصون كالثوب الطاهر. و في هذه الاستعارة ما ينفر أولي الألباب عما كرهه
اللّه لعباده و نهاهم عنه. و يرغبهم فيما رضيه لهم و أمرهم به. و أَهْلَ الْبَيْتِ نصب
على النداء أو على المدح. و المراد بهم من حواهم بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.
قال
ابن المطهر الحلي منهم: و في هذه الآية دلالة على العصمة مع التأكيد بلفظ (إنما) و
إدخال اللام في الخبر، و الاختصاص في الخطاب بقوله: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراًو
غيرهم ليس بمعصوم إلخ. و أجاب ابن تيمية رحمه اللّه في (منهاج السنة) بقوله: ليس
في هذا دلالة على عصمتهم و لا إمامتهم. و تحقيق ذلك في مقامين: أحدهما- أن قوله:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ
يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً كقوله ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ
حَرَجٍ [9]، و
كقوله يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [10]، و
كقوله يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَ اللَّهُ يُرِيدُ
أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ
تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً} [11]، فإن
إرادة اللّه في هذه الآيات متضمنة لمحبة اللّه لذلك المراد و رضاه به، و أنه شرعه
للمؤمنين و أمرهم به. ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، و لا أنه قضاه و قدّره، و لا
أنه يكون لا محالة. و الدليل على ذلك، أنو هذا الرافضي و أمثاله قدرية، فكيف
يحتجون بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ على وقوع المراد؟ و عندهم أن اللّه قد أراد إيمان من على وجه
الأرض. فلم يقع مراده. و أما على قول أهل الإثبات، فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب
اللّه نوعان: إرادة شرعية دينية تتضمن محبته و رضاه. و إرادة كونية قدرية تتضمن
خلقه و تقديره. الأولى مثل هؤلاء الآيات. و الثانية مثل قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ
اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ
يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ[12]، و
قول نوح وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ
اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [13]، و
كثير من المثبتة و القدرية يجعل الإرادة نوعا واحدا، كما يجعلون الإرادة و المحبة
شيئا واحدا.
و
إذا كانت الآية دالة على وقوع أراده من التطهير و إذهاب الرجس، لم يلزم بمجرد
الآية ثبوت ما ادعاه. و مما يبيّن ذلك، أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم
مذكورات في الآية. و الكلام في لأمر بالتطهير بإيجابه و وعد الثواب على فعله و
العقاب على تركه. قال تعالى: {يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيراً }[14]، إلى
قوله: {وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فالخطاب كله
لأزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و معهن الأمر و النهي و الوعد و الوعيد. لكن
لما تبيّن ما في هذا من المنفعة التي تعمّهن و تعمّم غيرهن من أهل البيت، جاء
التطهير بهذا الخطاب و غيره ليس مختصا بأزواجه. بل هو متناول لأهل البيت كلهم. و
علي و فاطمة و الحسن و الحسين أخص من غيرهم بذلك. و لذلك خصهم النبيّ صلّى اللّه
عليه و سلّم بالدعاء لهم.۔۔۔
ابن عاشور محمد بن طاهر
ھو الفقیہ معروف بین الفقھاء المعاصرین علی المذھب المالکی
،و اشعری الاعتقاد ۔و قد عھد الیہ منصف مفتی
المالکیۃ فی تونس۔ ھو فسر فی تفسیرہ "التحرير و التنوير"
ان
ْإِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيراً
متصل بما قبله إذ هو تعليل لما تضمنته الآيات السابقة من
أمر و نهي ابتداء من قوله تعالى: يا نساء النبيء مَنْ يَأْتِ
مِنْكُنَّ الآية. فإن موقع إِنَّما يفيد ربط ما بعدها بما قبلها لأن حرف (إنّ) جزء
من إِنَّما و حرف (إن) من شأنه أن يغني
غناء فاء التسبب كما بينه الشيخ عبد القاهر، فالمعنى أمركن اللّه بما أمر و نهاكنّ
عما نهى لأنه أراد لكنّ تخلية عن النقائص و التحلية بالكمالات. و هذا التعليل وقع
معترضا بين الأوامر و النواهي المتعاطفة. و التعريف في الْبَيْتِ تعريف
العهد و هو بيت النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم و بيوت النبيء عليه الصلاة
و السلام كثيرة فالمراد بالبيت هنا بيت كل واحدة من أزواج النبيء صلّى اللّه
عليه و سلّم و كل بيت من تلك البيوت أهله النبيء صلّى اللّه عليه
و سلّم و زوجه صاحبة ذلك، و لذلك جاء بعده قوله:{ وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ } [15]، و ضميرا
الخطاب موجهان إلى نساء النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم على سنن الضمائر التي تقدمت. و
إنما جيء بالضميرين بصيغة جمع المذكر على طريقة التغليب لاعتبار النبيء صلّى اللّه عليه
و سلّم في هذا الخطاب لأنه رب كل بيت من بيوتهن و هو حاضر هذا الخطاب إذ هو مبلغه.
و في هذا التغليب إيماء إلى أن هذا التطهير لهنّ لأجل مقام النبيء صلّى اللّه عليه
و سلّم لتكون قريناته مشابهات له في الزكاة و الكمال، كما قال اللّه تعالى: {وَ
الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ } [16] يعني
أزواج النبيء للنبيء صلّى اللّه عليه و سلّم، و هو نظير قوله في قصة إبراهيم: {رَحْمَتُ
اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } [17] و
المخاطب زوج إبراهيم و هو معها.
و الرِّجْسَ في الأصل: القذر الذي يلوّث الأبدان، و استعير هنا للذنوب و
النقائص الدينية لأنها تجعل عرض الإنسان في الدنيا و الآخرة مرذولا مكروها كالجسم
الملوّث بالقذر. و قد تقدم في قوله تعالى: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} [18]و
المعنى: ما يريد اللّه لكنّ مما أمركن و نهاكن إلا عصمتكنّ من النقائص و تحليتكن
بالكمالات و دوام ذلك، أي لا يريد من ذلك مقتا لكنّ و لا نكاية. فالقصر قصر قلب
كما قال تعالى: {ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ
يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ }[19]. و
هذا وجه مجيء صيغة القصر ب إِنَّما. و الآية تقتضي أن اللّه عصم أزواج
نبيئه صلّى اللّه عليه و سلّم من ارتكاب الكبائر و زكى نفوسهن.
و أَهْلَ الْبَيْتِ: أزواج النبيء صلّى اللّه عليه
و سلّم، و الخطاب موجه إليهن و كذلك ما قبله و ما بعده لا يخالط أحدا شك في ذلك، و
لم يفهم منها أصحاب النبيء صلّى اللّه عليه و سلّم و التابعون إلا أن أزواج النبيء عليه الصلاة
و السلام هن المراد بذلك و أن النزول في شأنهنّ. و أما ما رواه الترمذي عن عطاء بن أبي رباح عن عمر بن
أبي سملة قال: لما نزلت على النبيء: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
في بيت أم سلمة دعا فاطمة و حسنا و حسينا فجلّلهم بكساء و
عليّ خلف ظهره ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا»[20]
و في «صحيح مسلم» عن عائشة: خرج رسول اللّه غداة و عليه مرط
مرحّل فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء
علي فأدخله، ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و هذا أصرح من حديث الترمذي.
و قد استوعب ابن كثير روايات كثيرة من هذا الخبر مقتضية أن
أهل البيت يشمل فاطمة و عليّا و حسنا و حسينا. و ليس فيها أن هذه الآية نزلت فيهم
إلا حديثا واحدا نسبه ابن كثير إلى الطبري و لم يوجد في تفسيره عن أم سلمة أنها
ذكر عندها علي بن أبي طالب فقالت: فيه نزلت: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
و ذكرت خبر تجليله مع فاطمة و ابنيه بكساء (و ذكر مصحّح
طبعة «تفسير ابن كثير» أن في متن ذلك الحديث اختلافا في جميع النسخ و لم يفصله
المصحّح).
روى الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و سلّم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: «الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
و اللام في قوله: لِيُذْهِبَ لام جرّ تزاد للتأكيد غالبا بعد مادتي الإرادة و الأمر، و
ينتصب الفعل المضارع بعدها ب (أن) مضمرة إضمارا واجبا، و منه قوله تعالى: وَ
أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [21]، و
قول كثير:
و قوله: أَهْلَ الْبَيْتِ نداء للمخاطبين من نساء النبيء صلّى اللّه عليه
و سلّم مع حضرة النبيء عليه الصلاة و السلام، و قد شمل كلّ من ألحق النبيء صلّى اللّه عليه
و سلّم بهن بأنه من أهل البيت و هم: فاطمة و ابناها و زوجها و سلمان لا يعدو هؤلاء.
سيد بن قطب ابن
ابراهيم شاذلي
فسر في تفسيره
" ظلال القرآن "الجملة
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ المراقب المصلح لأحوال عباده الخلص بإتيان أمثال هذه
المواعظ و التذكيرات البليغة و التنبيهات العجيبة البديعة لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ و يزيل عنكم القذر المستقبح المستهجن عقلا و شرعا بالمرة يا أَهْلَ
الْبَيْتِ المجبولين
على كمال الكرامة و النجابة و العصمة و العفاف وَ يُطَهِّرَكُمْ عن
ادناس الطبيعة و إكدار الهيولى المانعة عن الصفاء و النقاء الجبلي الذاتي
تَطْهِيراً بليغا و تنظيفا لطيفا
متناهيا بحيث لا يبقى فيكم شائبة شين و وصمة عيب و نقصان أصلا. ذكر الضمير لان
النبي و عليا و ابنيه صلّى اللّه عليه و عليهم فيهم فغلب هؤلاء الذكور الأشراف
السادة على فاطمة و ازواج النبي رضوان اللّه عليهن .
و في هذه السورة يشغل التنظيم الاجتماعي و شؤون الأسرة حيزا
كبيرا. و في هذه الآيات التي نحن بصددها حديث إلى نساء النبي(ص) و توجيه لهن في
علاقتهن بالناس، و في خاصة أنفسهن، و في علاقتهن باللّه. توجيه يقول لهن اللّه
فيه: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ- أَهْلَ الْبَيْتِ-
وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».
كي يراعينه في خطاب أهل زمانهن خير الأزمنة على الإطلاق!
«وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ»..
و في الصحيحين أيضا أنها قالت: لو أدرك رسول اللّه- صلّى
اللّه عليه و سلّم- ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل!
فما ذا أحدث النساء في حياة عائشة- رضي اللّه عنها-؟ و ماذا كان يمكن أن يحدثن حتى
ترى أن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و سلّم- كان مانعهن من الصلاة؟! ماذا بالقياس
إلى ما نراه في هذه الأيام؟!
«وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ، وَ آتِينَ
الزَّكاةَ، وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ»..
«إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»..
و في التعبير
إيحاءات كثيرة، كلها رفاف، رفيق، حنون ..
فهو يسميهم «أَهْلَ الْبَيْتِ»
بدون وصف للبيت و لا إضافة. كأنما هذا البيت هو «الْبَيْتِ»
الواحد في هذا العالم، المستحق لهذه الصفة. فإذا قيل
«الْبَيْتِ»
فقد عرف و حدد و وصف. و مثل هذا قيل عن الكعبة. بيت اللّه.
فسميت البيت. و البيت الحرام. فالتعبير عن بيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و
سلّم- كذلك تكريم و تشريف و اختصاص عظيم.
و هو يقول: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ-
أَهْلَ الْبَيْتِ- وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»..
و في العبارة تلطف
ببيان علة التكليف و غايته. تلطف يشي بأن اللّه سبحانه- يشعرهم بأنه بذاته العلية-
يتولى تطهيرهم و إذهاب الرجس عنهم. و هي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت.
الخاتمة
1۔ بعضھم وسعوا دائرۃ اہل البیت(أي و يراد بأهل البيت عند الإطلاق آله صلّى اللّه
عليه و سلم و هم آل علي و آل عقيل و آل جعفر و آل العباس، و تشير الأوامر أوائل
هذه الآية إلى شمول نساء المؤمنين كافة لأن الأمر بالصلاة و الزكاة و الطاعة لا
يختص بنساء النبي فقط بل يعم غيرهن من المسلمات أجمع.( كملا حويش أل
غازي عبدالقادر)
2۔ بعجھم قصرھم تعصباً(أي يدعى إليه نساء
النبي كعبد الكريم الخطيب و الشیخ محمد بن عمر النوری الحاوی)
3۔ بعضھم انصفوا فی الامر الی حد ما۔(كمحمد بن عمر النووي الجاوي
و قاسمي محمد جمال الدين و سيد بن قطب ابن ابراهيم
شاذلي)
4۔بعضھم اجمل فی الامر مثل المراغی علی الرغم انہ مفسر کبیر
فی اوساط اھل السنۃ
والحمد لله رب
العالمين
المصادر
1.
القرآن الكريم
2. الخطيب، عبدالكريم, التفسير القرآني
للقرآن
3.
آل
سعدي، عبدالرحمن بن ناصر, تيسير الكريم الرحمن, مكتبة النهضة العربية, الطبعة 1408 ه, بيروت
4. المراغي، أحمد بن مصطفى, تفسير المراغي,
دار إحياء التراث العربي, بيروت
5. السيد بن قطب بن إبراهيم الشاذلي, في
ظلال القرآن, دار الشروق, الطبعة 1412 ه, بيروت- القاهرة
6. القاسمي، محمد جمال الدين, محاسن
التأويل, دار الكتب العلميه, الطبعة 1418 ه, بيروت
7.
النووي
الجاوي، محمد بن عمر, مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد, دار الكتب العلمية,
الطبعة 1417 ه, بيروت
8.
ملاحويش آل غازي، عبدالقادر, بيان المعاني, مطبعة الترقي,
الطبة 1382 ه, دمشق
9.
ابن عاشور، محمد بن طاهر, التحرير و التنوير
Comments
Post a Comment