فاطمة الزهراء(س) و الاسلام


 بسم الله الرحمن الرحيم





فاطمة الزهراء(س) و الاسلام


إعداد

ملك محمد سبطين أكبر




_ شخصیة فاطمة الزهراء (س) 
_ حياتها الزوجية
_  فاطمة الزهراء(س) و الاسلام 
_   عصمتها(س)
_  زهْدُهَا وَإنفَاقهَا في سَبيل الله
_  منزلة السیدة الزهراء (س) و مکانتها العلمیة
_   مُصحف فاطمة أول مُصنَّف في الإسلام
_  المعصومون و مصحف فاطمة (س)
_  بیان عظمة فاطمة (س) علی لسان النبی (ص)
_  دفاعھا عن الاسلام 
_  فاطمة اﻟﺰھﺮاء ﺑﻌﺪ أبيها
_  خيارات ثلاثة بعد الرسول(ص)
_  فاطمة الزهراء و دفاعها عن الولاية
_  الخطبة التاريخية لسيدة الإسلام فاطمة الزهراء (س)
_   المحاور السبعة لخطبة فاطمة الزهراء (س)



المقدمة

الحمد للہ رب العالمین و الصلاۃ و السلام علی سیدالانبیاء والمرسلینّ(ص) وعلی آله الطاھرین و لعن اللہ علی اعدائھم أجمعین أما بعد؛ یعتقد المسلمون أن فاطمة الزهراء (س) هی أفضل نساء العالم و أرفعهنّ درجة علی مرّ العُصور والأزمان.هذه العقیدة مأخوذة من نصوص الأحادیث النبویة الشریفة؛ و من هذه الأحادیث المتّفقة علیها الشیعة و السنّة، قول رسول الله (ص): "فاطمة سیدة نساء العالمین." و إن کانت الآیة الشریفة تنص علی أنّ مریم (س) هی سیدة نساء العالمین بالإضافة إلی أنّها تتمتّع بمکانة رفیعة عند المسلمین و یضرب بها المثل للعفّة و الطهارة، لکنّها کانت سیدة نساء عصرها و زمانها.أما مقام فاطمةالزهراء (س) و مکانتها لا یحدّ بزمانها فقط، بل یتعدّی إلی جمیع العصور و الأزمنة. ففی حدیث آخر یقول الرسول (ص) بکلّ صراحة: "إنّ فاطمة سیدة نساء الأولین و الآخرین."
نتحدث فی ھذا البحث الموجزعن حیاۃ شخصیة الصدیقة الطاھرۃ العالمة فاطمة الزھراء سلام اللہ علیھا ونذکر معه حول الاسلام لانھما متلازمان و متناسقان ونبین وضعیة العرب قبل الاسلام و فی بدایته فنقول كانت الأمم والشعوب تنظر إلى المرأة كحيوان أو جزء من الثروة التي يملكها الرجل فالعرب في الجاهلية كانوا ينظرون الی المرأة كرمز للعار وكان بعضهم يدفنون وعندما أشرق نورالإسلام منح المرأة حقّها و حدّد حقوقها كأمّ و زوجة وفتاة ، وكلنا سمع الحديثَ الشريف " الجنّة تحت أقدام الأمّهات " " رضا الله من رضا الوالدين " و المرأة أحد الوالدين .
لقد حدّد الإسلام إنسانية المرأة ، وشرّع نظاماً يحمي كرامة المرأة ويحافظ على عفّتها . فالحجاب ليس سجناً للمرأة بل وسام و فخار۔ إننا نشاهد اللآلئ محفوظة بين الأصداف ، والفاكهة داخل قشور ؛ والفتاة المسلمة شرع الله سبحانه لها ما يحميها و يصونها وهو الحجاب الذي لا يحافظ عليها فحسب بل يزيدها وقاراً وجمالاً أما الغرب فينظر إلى المرأة كمادّة للإعلان والتجارة والربح المادّي على حساب الأخلاق وكرامة المرأة كإنسان وقد أدّت هذه النظرة إلى سقوط المرأة و تجرّدها عن عاطفتها ومشاعرها الإنسانية النبيلة وها نحن نرى اليوم تفكّك الأسرة في المجتمعات الغربية فالمرأة في دنيا الغرب تحوّلت إلى مجرّد دمية لا قيمة لها سواءً في السينما و الإعلانات التجارية أو سباق ملكات الجمال.
يا أعزّاني لنتعرَّف على مثال المرأة في الإسلام مجسّداً في حياة فاطمة الزهراء (س) بنت محمّد (ص) :

الفصل الأول     

شخصیة فاطمة الزهراء (س)


.(ھی ابنة محمد ابن عبداللہ الرسول اللہ (ص) وخديجة بنت خويلد(س
.(ھی زوجة علي ابن ابی طالب (ع
.(وھی أم الحسن والحسين وزينب والکلثوم ومحسن (عليهم السلام 


ولادتھا(س) 

أورد السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام"[1] قال: وأخرج الطبراني عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص) " لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقا ولا أطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة. "
وُلدت فاطمة الزهراء (س) بعد بعثة والدها العظيم (ص) بخمسة أعوام ، وبعد حادثة الإسراء والمعراج بثلاث سنين ، وقد بشّرجبريل رسول الله (ص) بولادتها, وكان تاريخ ولادتها يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الآخرة في مدينة مكّة.

 

في بيت الوحي 

لقد فتحت السيدة فاطمة الزهراء عينها في وجه الحياة ، وفي وجه أبيها الرسول ترتضع من أمِّها السيدة خديجة اللبن المزيج بالفضائل والكمال ، كانت تنمو في بيت الوحي نموًّا متزايداً ، وتنبت في مهبط الرسالة نباتاً حسناً ، يزقّها أبوها الرسول (ص) العلوم الإلهيّة ، ويفيض عليها المعارف الربّانية ، ويعلّمها أحسن دروس التوحيد ، وأرقى علوم الإيمان وأجمل حقائق الإسلام .ويربّيها أفضل تربية وأحسنها ؛ إذ وجد الرسول في ابنته المثالية كامل الاستعداد لقبول العلوم ووعيها ، ووجد في نفسها الشريفة الطيّبة كل الروحانية والنورانية ، والتهيّؤ لصعود مدارج الكمال .
إلى جانب هذا شاءت الحكمة الإلهيّة للسيّدة فاطمة الزهراء أن تكون حياتها ممزوجة بالمكاره ، مشفوعة بالآلام والمآسي منذ صغر سنّها ، فإنّها فتحت عينها في وجه الحياة وإذا بها ترى أباها خائفاً ، يحاربه الأقربون والأبعدون ويناوئه الكفّار والمشركون .
نشأت فاطمة الزهراء (س) في أحضان الوحي والنبوة ، في بيت مفعم بكلمات الله وآيات القرآن المجيد، سألتْ عائشةُ رسول الله (ص) ذات يوم عن سبب حبّ رسول الله (ص) لفاطمة هذا الحبَّ العظيم فلقد كان رسول الله (ص) ينهض إذا دخلت عليه فاطمة وكان يقبِّل رأسها ويدها فأجاب سيدنا محمد (ص) : " يا عائشة لو علمتِ ما أعلم لأحببتيها كما أحبّ . فاطمةُ بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن سرّها فقد سرّني".
وقد سمع المسلمون رسول الله (ص) : " يقول إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله عزّ وجل فَطَمَ من أحبّها من النار''. كانت فاطمة الزهراء تشبه سيّدنا محمّد (ص) في خَلْقه وأخلاقه تقول أم سلمة زوجة رسول الله (ص) :" فاطمة أشبه الناس برسول الله (ص)" . وكانت عائشة تقول : " إنّها أشبه الناس برسول الله بحديثها ومنطقها ". وكانت فاطمة لا تحب أحداً قدر حبّها لأبيها كانت ترعى أباها وعمرها ست سنين ، عندما توفيت أمها خديجة الكبرى ، فكانت تسعى لملء الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها في تلك السنّ الصغيرة شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكّة كانت تضمّد جراحه ، وتغسل عن ما يُلقيه سفهاء قريش وكانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويدخل الفرحة في قلبه ؛ ولهذا سمّاها سيدنا محمد (ص) أمَّ أبيها، لفرط حنانها وعطفها على أبيها (ص).

زواج فاطمة (س)
"كانت السيدة فاطمة الزهراء (س) قد بلغت من العمر تسع سنوات ، ولكنّها كانت تتمتّع بالنمو الجسمي ، بل الكمال الجسماني ، وكانت تمتاز من صغر سنِّها بالنضج الفكري والرشد العقلي المبكّر ، وقد وهب الله لها العقل الكامل والذهن الوقّاد ، والذكاء الذي لا يوصف ، ولها أوفر نصيب من الحسن والجمال والملاحة ، خلقةً ووراثة ، فمواهبها كثيرة وفوق العادة ، وفضائلها الموروثة والمكتسبة تمتاز عن كل أُنثى وعن كل ابن أُنثى .وأمّا ثقافتها الدينية والأدبية فحدِّث ولا حرج ، وسيتضح لك أنّها أعلم امرأة وأفضلها في العالم كلّه ، ولم يشهد التاريخ امرأة حازت الثقافة والعلم والأدب بهذا المستوى ، مع العلم أنّها لم تدخل في مدرسة ولم تتخرج من كلّيّة سوى مدرسة النبوّة وكلّيّة الوحي والرسالة.
بلغت فاطمةُ سنَّ الرشد ، وآن لها أن تنتقل إلى بيت الزوجية ، فخطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر وعمر[2]، وكان رسول الله (ص) يردّ الخاطبين قائلاً :" إنني أنتظر في أمرها الوحي[3] " وجاء جبريل يخبره بأن الله قد زوّجها من علي وهكذا تقدم علي ، والحياء يغمر وجهه ، إلى خطبة فاطمة (س) فدخل رسول لله (ص) على فاطمة ليرى رأيها وقال لها یا فاطمة إن علي بن أبي طالب من قد عرفْتِ قرابته وفضْله وإسلامه ، وإني قد سألتُ ربّي أن يزوِّجكِ خيْرَ خلْقه وأحبَّهم إليه[4] ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين"؟ سكتت فاطمة وأطرقت برأسها إلى الأرض حياء ، فهتف رسول الله : " الله أكبر" ! سكوتها رضاها.

حياتها الزوجية 

انتقلت السيدة فاطمة الزهراء (س) إلى البيت الزوجي ، وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوّة إلى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية ، وحصل تطوّر في سعادة حياتها ، فبعد أن كانت تعيش تحت شعاع النبوّة صارت تعيش قرينة الإمام ، كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة ، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش ، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته ، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية ، وتتعاون معه في جهوده وجهاده .
وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعيّة التفكير ، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين .وليس ذلك بعجيب ، فإنّ السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى ، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها ، بل أكثر وأكثر ، فإنّ السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته ، وتقدّره حق قدره ، وتطيعه كما ينبغي ؛ لأنّه أعزّ الخلق إلى رسول الله ، لأنّه صاحب الولاية العظمى ، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة ، لأنّه أخو رسول الله وخليفته ، ووارثه ووصي ، لأنّه صاحب المواهب الجليلة ، والسوابق العظيمة .[5]
وهكذا كان علي (ع) يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها ، لا لأنّها زوجته فقط :بل لأنّها أحبّ الخلق إلى رسول الله، لأنّها سيّدة نساء العالمين، لأنّ نورها من نور رسول الله ، لأنّها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود ، لأنّها كتلة من العظمة  ، لأنّها مجموعة من الفضائل متوفّرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم .فكيف بفاطمة الزهراء ، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أيّة امرأة في العالم كلّه ، من حيث النسب الشريف الأرفع ، والروحانية والقدسيّة ، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله ، وعبادتها وعلمها وديانتها ، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيّتها وشخصيّتها ، وغير ذلك من مئات المزايا ممّا يطول الكلام بذكرها .
بعد ما قصصنا وما لم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه ، والحياة الطيّبة السعيدة الحلوة ـ بجميع معنى الكلمة ـ التي كانا يتمتّعان بها :حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة ، ولا تضطرب بالحوادث .حياة يهبّ عليها نسيم الحب والوئام ، وتزيّنها العاطفة بجمالها المدهش .
وفي البحار عن المناقب قال علي (ع): فو الله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً ، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان [6].
وروي عن الإمام الباقر(ع): إنّ فاطمة (س) ضمنت لعلي (ع) عمل البيت والعجين والخبز ، وقَّم البيت ، وضمن لها علي (ع) ما كان خلف الباب : نقل الحطب وأن يجيء بالطعام ، فقال لها يوماً : يا فاطمة هل عندك شيء ؟
قالت : والّذي عظّم حقَّك ، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيء نقريك به .
قال : أفلا أخبرتني ؟
قالت : كان رسول الله(ص) نهاني أن أسألك شيئاً ، فقال : لا تسألي ابن عمّكِ شيئاً ، إن جاءك بشيء وإلاّ فلا تسأليه[7]  .
ولا يُعلم بالضبط مدّة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (س) في دار حارثة بن النعمان ، إلاَّ أنّ رسول الله  (ص) بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده ، له باب شارع إلى المسجد ، كبقيّة الحجرات التي بناها لزوجاته ، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله ، المجاور لبيت رسول الله (ص) .

بیت فَاطِمَة (س) العظيمة
إنّ الحضارۃ اليوم ـ بدأت تشعر بضرورة احترام بعض المساكن والمباني والأراضي ، وذلك بعد أن شعرت باحترام الفضيلة وأهلها ، والتقدير عن الشرف والعلم والقيم .وعلى هذا الأساس أحدثت الحضارة قانوناً بل قوانين بهذا الشأن .
هذه الحقيقة كانت ثابتة عند الله تعالى ، وعند أوليائه من أهل السماوات والأرض منذ الأزل ، وانطلاقاً من هذه الحقيقة نجد الأحكام الواردة حول احترام المساجد وخاصة المسجد الحرام ، وتحريم الدخول فيه على بعض الأفراد كالمشركين أو المجنب أو الحائض ، وتحريم تنجيسها ، أو إتيان ما ينافي قدسيتها واحترامها ، أو الصيد في الحرم  وهو المناطق المحيطة بمكّة من جميع الجوانب ، حسب حدود معينة مذكورة في كتب الفقه . بعد ذكر هذه المقدّمة اعلم أنّ البيت الذي كانت السيدة فاطمة الزهراء (س) تسكن وتعيش فيه كان محاطاً بالقداسة والروحانية والنور، كان ذلك البيت مبنيّاً بمواد الاحترام والتقدير ، والتجليل والتبجيل ، يعرف حق ذلك البيت كل مَن يعرف حق فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها.

أبناء فَاطِمَة (س)
وکانت حصیلة هذا الزواج المبارک خمسة أبناء هم الحسن والحسین و زینب و أمّ کلثوم (ع)  و محسن (الذی أسقط جنیناً فی الوقائع التی حدثت بعد وفاة النبی ).فأمّا الحسن و الحسین (علیهما السلام) و هما من الأئمّة الأثنی عشر فقد ترعرعا فی أحضان مثل هذه الأمّ، و الأئمّة التسعة الباقیة (ما عدا الإمام علی و الإمام الحسن (علیهما السلام)) هم من ذریة الإمام الحسین (ع) و بهذه الطریقة فإنّهم ینتسبون إلی رسول الله (ص) عن طریق فاطمة (س) و یعتبرون من ذریته. و لأجل انتساب الأئمّة الأطهار ما عدا أمیرالمؤمنین (ع) إلی رسول الله (ص) فقد لُقبت (س) بأمّ الأئمة.
أمّا زینب (س) و هی البنت الکبری لفاطمة (س) کانت سیدة عابدة و طاهرة و عالمة؛ حیث أنّها و بعد واقعة کربلاء و إستکمالاً لنهضة الإمام الحسین (ع) أعطت البعد الحقیقی للثورة الحسینیة بأحسن شکل حیث هزّ أرکان الحکومة الأمویة الفاسدة ممّا أدّی ذلک إلی قیام الناس مراراً و کراراً ضدّ الجور و الاضطهاد الذی کان یمارسه یزید بن معاویة حتی تکوّنت تنظیمات متعددّة لهذه الإنتفاضات. و أمّا عن عبادة سیدة زینب (س)، فما عرفناه من التأریخ أنّها کانت لا تترک عبادتها و إرتباطها الوثیق بالله عز و جل حتی فی أصعب الظروف و أحرج المواقف. و کانت عبادتها تنبعث من صمیم معرفتها و یقینها بالحقیقة الإلهیة المقدسة.
أمّا أمّ کلثوم (س) و التی تربّت أیضاً فی أحضان تلک الأمّ فقد کانت جلیلة المکانة وعاقلة متحدّثة و قد لعبت دوراً کبیراً فی توعیة الناس مع أختها زینب (س) بعد واقعة کربلاء.

الفصل الثاني 

فاطمة الزهراء(س) و الاسلام


كانت فاطمة الزهراء (س) هي الفضلى من بين نساء العالم بأجمعهن من الأولين والآخرين، وذلك في كل المراحل الحياتية وغيرها، وفي جميع ما يرتبط بها بنتاً، وزوجة، وأمّا!

أم أبيها 

كانت (س) تساعد أباها الرسول (ص) في أيام المحنة ـ ولا يخفى أن كل أيام الرسول (ص) بعد البعثة محن ـ في مكة وفي المدينة وفي الشعب وإلى أن التحق (ص) بالرفيق الأعلى، وقد قال (ص): "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت".[8]
فكانت فاطمة (س) أم أبيها، يعني كانت له كالأم الحنون لأولادها حيث إنّها تقوم بشؤون الأولاد خير قيام، فإن والدة الرسول آمنة (س) توفّيت منذ صغره (ص)، فكانت فاطمة الزهراء (س) بمنزلة الأم له (ص)، ولذا كنيت (بأم أبيها).

 

خيرزوجة 

وكذلك كانت (س) خير زوجة لأمير المؤمنين علي (ع)، فقد قالت (س) في كلمة لها وهي الصادقة المصدقة ـ وقد صدقها أمير المؤمنين علي (ع): "يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال علي: معاذ الله أنتِ اعلم بالله وأبرّ واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي"[9]  نعم إن رسول الله (ص) ربّى فاطمة الزهراء (س) أفضل تربية صالحة حتى لم تكذب في حياتها ولا مرّة واحدة، قبل زواجها أو بعده، لأن فاطمة الزهراء (س) معصومة، ولا يحصر عدم كذبها وعدم خيانتها بحال الزواج ولم تحصرها في ذلك، بل قالت: (فماعهدتني) يعني منذ ان أدركت أنت يا علي وعرفتني، ما عهدت مني كذبة واحدة، ولا خيانة واحدة، حتى خيانة في شيء قليل من المال، أو في نظرة إلى من هو غير محرم أو ما أشبه، مما يشمله لفظ الخيانة، وحاشا لبنت رسول الله (ص) ذلك.

 

خيرأم 

وكذلك كانت فاطمة الزهراء (س) لأطفالها: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام) خير أم، فكانت تقوم بشؤونهم، وتغذيهم بالفضيلة والتقوى، وتربيهم بأحسن ما يكون، وقد ورد: إنها كانت تحثهم على إحيائهم ليالي الجُمع من أول الليل إلى الصباح، وكذلك ليالي القدر، فكانت (س) تأمرهم بالنوم نهاراً حتى يتمكنوا من إحياء الليل، وبمثل هذه التربية الرفيعة ربت الزهراء (س) أولادها، فكانت خير أم عرفتها البشرية جمعاء.

 

عصمتها(س)

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر[10] إن الإستدلال بآیة التطهیر لا یغنینا عن إثبات عصمة الزهراء (س) و تنزّهها عن الذنب فقط ، بل عن السهو و الخطأ أیضاً. نحن و فی هذا القسم و لغرض عدم الإطالة نشیر فقط إلی أنّ عصمة الزهراء (س) من ناحیة النوع و أدلّة الإثبات هی نفس عصمة النبی (ص) و سائر الأئمة، و هذا یستلزم قسماً خاصاً مشروحاً فی مقالة أخری.

 

زهْدُهَا وَإنفَاقهَا في سَبيل الله 

كانت السيدة فاطمة الزهراء (س) على جانب كبير من الزهد، ومعنى الزهد: التخلي عن الشيء وتركه وعدم الرغبة فيه، وكلما ازداد الإنسان شوقاً إلى الآخرة ازداد زهداً في الدنيا، وكلما عظمت الآخرة في نفس الإنسان صغرت الدنيا في عينيه وهانت، وهكذا كلما ازداد الإنسان عقلاً وعلماً وإيماناً بالله ازداد تحقيراً واستخفافاً لملّذات الحياة.
السيدة فاطمة الزهراء (س) فهي عرفت الحياة الدنيوية، وأدركت الحياة الأخروية، فلا عجب إذا قنعت باليسير اليسير من متاع الحياة، واختارت لنفسها فضيلة المواساة والإيثار، وهانت عليها الثروة، وكرهت الترف والسرف فلا غرو، فهي بنت أزهد الزهاد، وحياتها العقائدية ملازمة للزهد وحياتها الاجتماعية أيضاً تتطلب منها الزهد، فهي أولى الناس بالسير على منهاج أبيها الرسول الزاهد العظيم (ص).وحياتها الزوجية تبلورت بالزهد والقناعة، فلقد كان زوجها الإمام علي (ع) أول الناس وأكثرهم اتباعاً للرسول في زهده، ولم يشهد التاريخ الإسلامي رجلاً من هذه الأمة أكثر زهداً من علي بن أبي طالب (ع).
في السادس من البحار عن كتاب (بشارة المصطفى) عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلَّى بنا رسول الله (ص) صلاة العصر، فلما انفتل جلس في قبلته والناس حوله. فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من العرب مهاجر، عليه سمل قد تهلل وأخلق وهو لا يكاد يتمالك كِبَراً وضعفاً، فأقبل عليه رسول الله (ص) يستحثه الخبر، فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني وفقير فارشني. فقال (ص): ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل مَن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة.وكان بيتها ملاصق بيت رسول الله (ص) الذي يتفرد به لنفسه من أزواجه، وقال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة. فانطلق الإعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين.    
 فقالت فاطمة(س): وعليك السلام، فمن أنت يا هذا؟                                                                      
 قال: شيخ من العرب، أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجراً من شقة، وأنا - يا بنت محمد - عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله.
وكان لفاطمة وعلي - في تلك الحال - ورسول الله (ص) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله (ص) من شأنهما.فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: خذ هذا يا أيها الطارق، فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه.
فقال الإعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع، فناولتني جلد كبش؟ ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟
قال: فعمدت فاطمة - لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب، فقطعته من عنقها، ونبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبِعهُ، فعسى الله أن يعوِّضك به ما هو خير منه.
فأخذ الإعرابي العقد، وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبي (ص) جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد فقالت: بِعه فعسى الله أن يصنع لك.
قال: فبكى النبي (ص) فقال: وكيف لا يصنع الله لك، وقد أعطته فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.
فقام عمار بن ياسر (ر) فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال: اشتر يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبّهم الله بالنار، فقال عمار: بكَمْ العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم، وبردة يمانية استر بها عورتي وأصلّى فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي.
وكان عمار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله (ص) من خيبر ولم يبق منه شيئاً فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية، وبُردة يمانية، وراحلتي تبلغك أهلك، وشبعك من خبز البر واللحم.
فقال الإعرابي: ما أسخاك بالمال أيها الرجل؟ وانطلق عمار فوفّاه ما ضمن له.
وعاد الإعرابي إلى رسول الله (ص) فقال له رسول الله: أشبعت واكتسيت! قال الأعرابي: نعم، واستغنيت بأبي أنت وأمي: قال: فأجزِ فاطمة بصنيعها؟ فقال الأعرابي: اللهم أنت إله ما استحدثناك، ولا إله لنا نعبده سواك، فأنت رازقنا على كل الجهات، اللهم أعط فاطمة ما لا عين ذأت ولا أذن سمعت.. وإلى أن قال: فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك، ولفَّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك، وقال له: خذ هذا العقد فأدفعه إلى رسول الله (ص) وأنت له.
فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله (ص) وأخبره بقول عمار فقال النبي: انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها. فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (ص) فأخذت فاطمة العقد، وأعتقت المملوك.
فضحك المملوك فقالت: ما يضحكك يا غلام؟ فقال: أضحكني عِظَم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً، وكسا عرياناً وأغنى فقيراً، وأعتق عبداً، ورجع إلى ربه أي إلى صاحبه.

 

منزلة السیدة الزهراء (س) و مکانتها العلمیة

وإن لم تکن فاطمة الزهراء (س) إماماً، لکن مکانتها و منزلتها عند الله و بین المسلمین و خاصة الشیعة لیست أقلّ من منزلة سائر الأئمة (ع)، بل إنّها تُعتبر نظیرة لأمیرالمؤمنین(ع) و منزلتها أعظم من منزلة سائر الأئمة (ع).
إذا أردنا أن نصل إلی مکانة الزهراء (س) العلمیة و ندرک جانباً منها یجدر بنا أن ننظر إلی خطبتها الفدکیة، حیث تنحدر منها أرصن العبارات و أقواها فی التوحید الإلهی؛ عندما تظهر علمها و رأیها بالنسبة إلی الرسول الکریم (ص)، و تشرح الإمامة فی مکان آخر من تلک الخطبة، و تستدلّ بالآیات القرآنیة و تبین علل شرائع الأحکام، کلّ هذا یدلّ علی بحر علمها اللامتناهی و الذی یرتبط بمجری الوحی الإلهی. و من الشواهد الأخری التی تبین لنا المستوی العلمی الرفیع للزهراء (س)هی مراجعة النساء و حتّی الرجال فی المدینة المنوّرة إلیها لتجیب علی مسائلهم الدینیة و العقائدیة.

 

مُصحف فاطمة أول مُصنَّف في الإسلام 

يُعتبر مصحف السيدة فاطمة الزهراء (س) أول مصنف في الإسلام، حيث أن الزهراء (س) توفيت في الثالث من شهر جمادى الأولى عام 11 هجري[11] ، و لم يكتب قبل هذا التاريخ كتاب في عصر الإسلام. و مصحف فاطمة (س) إنما هو مجموع حديث جبرائيل الأمين لفاطمة (س) فهو وحي غير معجز كالحديث القدسي الحديث النبوي.

 

المعصومون و مصحف فاطمة ( س)  

عندما سئل الإمام الصادق (ع) عن مصحف فاطمة ( س) قال : " إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة و سبعين يوماً ، و كان دخلها حزنٌ شديد على أبيها ، و كان جبرئيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، و يُطيب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانِه ، و يخُبرها بما يكون بعدها في ذريتها ، و كان عليّ (ع) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة[12]" .
قال الإمام الصادق (ع) : " و إن عندنا لمصحف فاطمة (س) و ما يدريهما مصحف فاطمة ، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، إنما هو شيء أملاه الله و أوحى إليها[13]. " و قال الإمام الصادق (ع) : "مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن[14]. ". و قال الإمام الصادق (ع) : " مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، و إنما هو شيء القي عليها بعد موت أبيها (ص)".

 

بیان عظمة فاطمة (س) علی لسان النبی (ص)

کان النبی (ص) یمدح فاطمة (س) دوماً و یجلّلها و یقول فی مواضع کثیرة: "فداها أبوها." و کان ینحنی و یقبّل یدها. و فی سفره کانت (س) آخر من یودّعه و عند عودته أول مکان یحلّ به هو بیتها (س).
روی کثیر من المحدّثین و العلماء من جمیع المذاهب و العقائد قول النبی (ص): "فاطمة بضعة منّی یؤذینی ما آذاها." و بما أنّ القرآن الکریم ینزّه النبی (ص)عن الکلام الذی یخرج عن‌ای میل و هوی نفسانی و بصریح القول یذکر القرآن بأنّ کلام النبی (ص) لیس إلّا وحیاً کما یقول: " إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [15]"، فلذا انّ مدح و تعظیم الرسول(ص) لفاطمة (س) له أسباب أکبر و أعمق من الصلة الأبویة التی تربط [16]الأب بابنته، کما یشیر النبیّ (ص) إلی ذلک ردّاً علی المعترضین بهذا الأمر انّ الله سبحانه و تعالی أمره بذلک و أیضا کان یقول: "إنّی أشمّ منها رائحة الجنّة". ولو تأمّلنا فی المسألة من جوانب أخری و وضعنا الحدیث النبوی الشریف بجانب الآیات القرآنیة الشریفة، نری أنّ القرآن یوعّد الذین یؤذون النبی (ص) بعذاب ألیم، و فی مکان آخر یقول: " إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينً.[17]" إذن من الواضح أن رضا فاطمة (ع) هو رضا الله عز و جل و غضبها سبب لغضبه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: فاطمة بضعة منى من آذاها فقد آذانى.[18]
و بتعبیر أدقّ هی مظهر رضا الله و غضبه، فلا یمکننا الإفتراض بأنّ شخصاً یأتی بعمل یؤذی به فاطمة (س) و یکون سبباً لغضب النّبی (ص) و یکون مستوجباً لعقوبة الله عز و جل و فی نفس الوقت الله راض عنه،

دفاعھا عن الاسلام

 

فاطمة اﻟﺰھﺮاء ﺑﻌﺪ أبيها

إنّ أﺻﻌﺐ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﺗﺄرﻳﺦ اﻻُﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ اﺷﺘﻌﻠﺖ ﺷﺮارتھاو دوى اﻧﻔﺠﺎرھﺎ ھﻲ اﻟﺘﻲ أﻋﻘﺒﺖ وﻓﺎة رﺳﻮل اﻟﻠﱠﻪ (ص) . ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺤﻜﻢ اﻟﻈﺮوف اﻟﻤﻌﻘﺪة- آﻧﺬاك- ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ و اُﺧﺮى ذاﺗﯿﺔ، ﻓﺎﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم (ص) أﺗﻢ ﺗﺒﻠﯿﻎ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻦ اﻟﻠﱠﻪ ﻋﺰوﺟﻞ، و ﻛﺎن وﺟﻮده (ص) ﻋﻨﺼﺮ اﻹﺷﻌﺎع اﻹﻳﻤﺎﻧﻲ و ﻣﺪﻋﺎةً ﻟﻺﺳﺘﻘﺮار واﻟﺒﻨﺎء، وﻟﻜﻦﻋﻤﻖ اﻟﺨﻠﻞ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻰ و اﻟﺬي ﻳﻤﺘﺪ إﻟﻰ ﺑُﻌﺪ ﻏﯿﺮ ﻣﻨﻈﻮر رﺑﻤﺎ ﻛﺎن ﻣﺘﺠﺴﺪاً ﻓﻲ ﻋﻘﻮل و ﺳﻠﻮك أﻓﺮاد ﻋﺪﻳﺪﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻗﺮﻳﺒﯿﻦ ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﻗﻮة و ﺣﺮﻛﻪ ﻣﺠﺘﻤﻊ اﻟﺠﺰﻳﺮة- اﻟﺤﺪﻳﺚ اﻟﻌھﺪ ﺑﺎﻹﺳﻼم- ﺟﻌﻞ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﺑﯿﻦ طﺮﻓﻲ اﻟﺤﻖ و اﻟﺒﺎطﻞ یظھر ﺑﺸﺪه ﺑﻌﺪ وﻓﺎة اﻟﺮﺳﻮل (ص).
ﻟﻘﺪ ﻛﺎن اﻟﺼﺮاع اﻟﺬي ﺑﺮز ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻹﺳﻼﻣﻰ دﻟﯿﻼً ﻋﻠﻰ ﻋﺪم اﺳﺘﯿﻌﺎب اﻟﻌﺪد اﻷﻛﺒﺮ ﻟﻠﻌﻘﯿﺪه اﻻﺳﻼﻣﯿﻪ ﺑﻜﻞ أﺑﻌﺎدھﺎ وﺣﺪودھﺎ، و ﻛﺎن ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ھﺬا اﻟﺼﺮاع ان ﺑﺪات ﻋﻤﻠﯿﻪ اﻧﺤﺮاف اﻟﺘﺠﺮﺑﻪ اﻻﺳﻼﻣﯿﻪ و ﻣﺎ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻣﻦ آﺛﺎر ﺳﯿﺌﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ھﺬا .
إن اﻟﻔﺘﺮة اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺖ وﻓﺎة اﻟﺮﺳﻮل اﻷﻛﺮم (ص) ازدﺣﻤﺖ ﺑﺎﻷﺣﺪاث اﻟﻤﺘﻨﺎﻗﻀﺔ و اﻻرﺗﺠﺎﻟﯿﺔ، وﻟﻜﻲ ﻧﺪرس ﺣﯿﺎة اﻟﺰھﺮاء (س) ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺘﺮة ﻻﺑﺪ أن ﻧﺴﺘﻌﺮض اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻌﺎم و ﻣﺎ ﺟﺮى ﻣﻦ أﺣﺪاث، ﻛﻰ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼلھا أن ﻧﺘﺼﻮر ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ أﻧﺬاك و ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﺗﻌﺪى و ظﻼﻣﺎت، و أول ﻣﺎ ﻳﺼﺎدﻓﻨﺎ ھﻮ إﺟﺘﻤﺎع اﻟﺴﻘﯿﻔﺔ و دوره اﻷﺳﺎﺳﻰ ﻟﻜﻞ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﺘﻲ ﺗﻠﺘﻪ و ﺗﺄﺳﺴﺖ ﻋﻠﯿﻪ .
لا نود الدخول في قصة السقيفة وانتخاب أبي بكر، لأنّها قصة طويلة ذات شجون، تجرّنا خارج موضوع. وخلاصتها: لمّا انتهى علي وفاطمة(س)من تجهيز النبيّ (ص) ودفنه، واجها قضية تمّ نسجها وأحبك أمرها، وانتهى كل شيء فيها، حيث بويع أبو بكر ونصب للخلافة،

خيارات ثلاثة بعد الرسول(ص)

الأول: أن يقدم على حركة حدّية ثورية، ويعلن الحرب على أبي بكر رسميّاً، ويدعو الناس إليها، ويدفعهم نحوها. وهذا غير ممكن، لأنّه يعني إقحام المجتمع الإسلامي في معركة غير محموده العواقب، تؤدّي إلى انتفاع الانتهازيين والوصوليين من الفرصة، واستحواذ أعداء الإسلام وقوّة شوكتهم، وهم يتربّصون الدوائر بالإسلام والمسلمين، وبالنتيجة اقتلاح جذور الإسلام الفتيّ.
الثاني: أن يحافظ على وجوده ومنافعه الشخصية ومصالحه المستقبلية ـ وهذا غير ممكن أيضاً، لأنّه يعني إمضاءه على بيعة أبي بكر وولايته ولعمل المسلمين أيضاً، مما يؤدّي إلى انحراف الخلافة والولاية والإمامة عن مسارها الأصلي ومعناها الحقيقي إلى الأبد، وتبدد الجهود والتضحيات التي بذلها النبيّ صوالإمام عليعمن أجل إرساء قواعد الإسلام وتحكيم أصول الخلافة الشرعية.
الثالث: أن يسلك سبيلاً معتدلاً يحفظ بيضة الإسلام ويصون المسلمين، وإن كانت ثماره تأتي متأخرة على المدى البعيد.فعزم هو والزهراء (س) على خوض معركة واسعة بهدوء وحكمة، تؤمن سلامة الإسلام وعدم انهدام أركانه،
  

فاطمة الزهراء و دفاعها عن الولاية


  • فكانت المواجهة على مراحل!

المرحلة الاولى :

أخذ علي وفاطمة بيدي الحسن والحسين عوطافوا على بيوت المدينة ورجالها وأشرافها، ودعوهم إلى نصرتهم وذكّروهم بوصايا النبيّ الأكرم (ص)، وفاطمة تقول: أيّها الناس، ألم ينصب أبي رسول الله (ص) علياً خليفة عليكم من بعده؟ أنسيتم جهاده وتضحياته؟! لو أطعتم ما أوصى به النبي، وسلمتم زمام أموركم لعلي، لهداكم إلى سواء الصراط، وسار بكم على المحجة البيضاء، وبلغ بكم غايات رسول الله (ص).

المرحلة الثانية :

رفض الإمام علي (ع) البيعة لأبي بكر، وأعلن سخطه على النظام الحاكم، ليتّضح للعالم أنّ هذه الحكومة التي أعرض عنها ـ الرجل الأول في الإسلام بعد رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) لا توافق الخلافة الإسلامية جذريّاً.وكذلك فعلت فاطمة (س) ليعلم الناس أنّ بنت نبيّهم لا ترضى عن هذه الخلافة. وبدأ الإمام (ع) جهاداً سلبياً ضد الغاصبين، فاشتغل بجمع القرآن وتأليفه، وأصبح جليس داره.
فقال عمر لأبي بكر: يا هذا، إنّ الناس قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته، فابعث إليه، فبعث إليه قنفذاً، فقال له: يا قنفذ انطلق إلى علي فقل له: أجب خليفة رسول الله (ص)، فبعثاه مراراً وأبى علي (ع) أن يأتيهم، فوثب عمرغضبان ونادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي وفاطمة س، وفاطمة قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها لوفاة رسول الله (ص) فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا ابن أبي طالب! افتح الباب، فقالت فاطمة: يا عمر ما لنا ولك، لا تدعنا وما نحن فيه!
قال: افتحي الباب، وإلاّ أحرقنا عليكم........([19])

 

مواجهة بالإختصار

بالرغم من أنّ المعركة التي خاضتها فاطمة سكانت لفترة قصيرة ووقعت في محيط محدود، ولكن يجدرالالتفات إلى عدّة أمورفيها:

الأول: إنّ الزهراءسهبت للدفاع عن الوصيّ ووقفت وراء الباب بصلابة متناهية حينما حاصروا البيت ليأخذوا علياً ولم تنهزم وتلوذ بزاوية البيت فراراً ـ كما هي عادة النساء.
الثاني: إنّ الزهراء(س) رفضت الفرار بعد أن اقتحموا الدار، وأصرّت على الصمود والمقاومة والوقوف بوجوههم، حتى وجأوا صدرها المقدّس بغمد السيف، وضربوها حتى أسودّ عضدها المبارك
الثالث: دخلت فاطمة (س) الميدان من جديد، عندما استخرجوا علياً وتعلّقت به، وحالت بينهم وبينه، وما تراجعت حتى اسودّ بدنها من سياط قنفذ.
الرابع: حينما أخرجوا علياً(ع)  راحت الزهراء(س) تقاتل في آخر المواقع، فلحقت به لعلّها تمنعهم عنه، وصمدت وقاومت في موقعها هذا حتى عصروها بين الحائط والباب، وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها.وبعد كلّ هذا انطلقت إلى المسجد ـ فلعلّ ما جرى داخل الدار لم يسمعه الناس ـ فصرخت واستغاثت بالله ورسوله على رؤوس الأشهاد. وحينما يئست منهم انصرفت للدعاء عليهم ولولا أن الإمام (ع) أدركها فرجعت إلى البيت.

 نعم، هكذا وقفت فاطمة(س) بكلّ ما أوتيت من قوّة ـ للدفاع عن علي (ع)، وفكرت أن تدخل الميدان.فإن انتصرت منعتهم عن أخذ البيعة من علي (ع)، ودافعت عنه، وأظهرت السخط على خلافة الشورى.وإن ضربوها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها انفضحوا وسقطت أقنعتهم. وفَهِمَ العالم ـ عملياً ـ نتائج الانحراف عن الخلافة الحقّة. فمن أجل الاحتفاظ بالملك والسلطان ما تورّعوا عن كسر ضلع عزيزة نبيّهم، وقتل ابنها في بطن أمه. وبذلك تنذر المسلمين، وتَقَدِّمْ لهم أنموذجاً واضحاً من نتائج خلافة الشورى.والزهراءسخريجة مدرسة النبوة والإمامة، درست التضحية والفداء والشجاعة في هذين البيتين، فلا تخاف كسر الضلع ولا الضرب، ولا تخشى سوى الله في مواقع الدفاع عن الحق الأهداف المقدّسة.

المرحلة الثالثة

الخطبة التاريخية لسيدة الإسلام فاطمة الزهراء (س)

ساد العالم الإسلامي بعد وفاة الرسول هزّة عنيفة ، وكان محور هذه العاصفة يدورحول منصب         (الخلافة) ، ثمّ انتقل إلى كلِّ ما يرتبط بهذا المنصب ، منها قرارمصادرة أرض (فدك) [20]، التي وهبها الرسول (ص) لابنته فاطمة (س) استناداً إلى مصالح مهمة ، فقد صودرت من قِبل النظام الحاكم .لاحظت فاطمة (س) أنّ هذا التجاوز الواضح ، وما رافقه من تجاهل للأحكام الإسلامية في هذا الأمر ، سيجرف الأمّة الإسلامية إلى انحراف كبيرعن تعاليم الإسلام وسُنة الرسول الكريم (ص) ، والاندفاع نحو تقاليد الجاهلية ، من ناحية أخرى فإنّها مقدمة لفرض ، إقامة جبرية على عليٍّ أمير المؤمنين (ع) ، ومحاصرته وأصحابه اقتصادياً ؛ لذا بدأت بالدفاع عن حقها أمام غاصبي (فدك) ، وطالبت بكل وجودها بإعادة حقها السليب، لكن النظام الحاكم رفض أداء حقها ؛ بحجة باطلة وحديث موضوع (نحن معاشرالأنبياء لا نورّث ) .
أقبلت سيدة نساء العالمين مع لُمة من نساء بني هاشم إلى مسجد النبي (ص) ؛ لتعلن عن رأيها و ظلامتها أمام جمهورالمسلمين ، وسادات المهاجرين والأنصار؛ حتى تتمَّ حجتها ، وتكشف حجج هذا الغصب العجيب والمصادرة الظالمة من قِبل جهاز النظام ، إضافةً إلى فضح صفوف المدافعين عن سياسة التجاوز ، وتمييزهم عن الأمناء الحقيقيين للإسلام ، غيرمكترثة للضجة المفتعلة بهذا الخصوص ، وما ستفرزه هذه الفضيحة الكبيرة من نتائج ، فقد استمرت في تصميمها ، واحتجت على (غصب فدك ) من خلال خطبة غرّاء ، ألقتها أمام المهاجرين في المسجد ، مزيلةً الستار عن كثير من الحقايق .
كانت هذه الخطبة بمثابة تحذير مروّع لأولئك الذين سعوا إلى حرف الحكومة الإسلامية ، وخلافة الرسول (ص) عن مسيرها الحقيقي ، وتضييع تلك الجهود التي تحمّلها لأكثر من عقدين .
كانت خطبتها ( ناقوس الخطر ) لأولئك الذين ينبض قلبهم بعشق الإسلام ، ويخافون على مستقبل هذا الدين الطاهر .ولأولئك الغافلين عن تغلغل المنافقين، ونفوذهم في الجهاز السياسي بعد الرسول (ص) ، والمتجاهلين لأعمالهم المبطّنة .( الصرخة الأليمة ) في حماية عليٍّ أمير المؤمنين (ع) ، ووصي رسول ربّ العالمين (ص) ، حيث تجاهل بعض السياسيين كلَّ ما ورد فيه من آيات قرآنية وتوصيات للرسول (ص).      (إحقاق الحق المهضوم) ؛ لتوعية كل مَن غُصب حقه ، وهو يفضّل المسالمة والسكوت على الانتفاضة والتصدي.(الصيحة المؤثرة) التي دوّى صداها في كلَّ مكان، وبقيت آثارها على مرالعصوروالقرون.           (الزلزال العميق) الذي أيقظ أمواجه المتلاطمة تلك الأرواح النائمة ـ ولو مؤقتاً ـ وأظهر لها طريق الحق .وأخيراً فقد كانت (الصاعقة المميتة) التي حلّت على رؤوس أعداء الإسلام وأخذتهم بغتةً ، أمّا عمق التحليلات التي أوردتها الصديقة الطاهرة ، بشأن أعقد المسائل المرتبطة بالتوحيد والمبدأ والمعاد ، فإنّما تكشف عن بعد نظرها وسعة رؤيتها (س) .
أفرزت خطبة فاطمة الزهراء(س) العديد من الدروس، فما بيّنته في أدق مسائل الفلسفة وأسرار الأحكام ، وتحليل تاريخي سياسي للإسلام ، ومقارنة بين العرب في زمن الجاهلية وبين حياتهم بعد ظهور الإسلام ، تعتبر دروساً عظيمة المعنى ، يستفيد منها كل مَن يسير على خُطى الحقِّ مجاهداً في سبيل الله .
والأهم من ذلك ، إنَّ فاطمة (س) أفصحت عن موقف آل بيت النبِّي (ص) بالنسبة إلى النظام الحاكم ، وبرّأت ساحة الإسلام المقدسة من الظلم والجور ، الذي ارتُكب باسم الإسلام ، ولو انحصرت فائدة الخطبة في هذا الأمر ، لكان كافياً !

المحاور السبعة لخطبة فاطمة الزهراء (س)

تتضمن هذه الخطبة الغرّاء التي قلّ نظيرها سبعة محاور ، وتدور حول سبعة مباحث ، ينشد كل منها هدف واضح ، ويجب دراسة كلٍّ منها بصورة مستقلة .

    تحليل عميق ومختصر لمسائل التوحيد ، وصفات الخالق ، وأسمائه الحسنى ، وهدف الخِلقة.
    التذكير بمنزلة الرسول (ص) السامية ، وصفاته ومسؤولياته وأهدافه .
    التحدّث عن أهمية القرآن المجيد ، وعمق تعاليم الإسلام ، وفلسفة الأحكام وأسرارها ، والإرشادات      والنصائح في هذا المجال .
    من خلال تعريف نفسها ، تقوم سيدة النساء (س) بالإفصاح عن خدمات أبيها رسول الله (ص) لهذه الأمّة، وهنا تذكّرهم فاطمة الزهراء (س) بعصر الجاهلية القريب ؛ ليكون لهم عبرةً ، ومن ثَمّ مقارنته مع وضعهم بعد الإسلام، واتخاذ درس من هذا الاختلاف والتغيير .
    تُفصح عن الأحداث التي تلت وفاة الرسول الكريم (ص)، وسعي حزب المنافقين لمحو الإسلام .
    تتحدث عن الحجج الواهية التي اتّخذوها ذريعةً في غصب ( فدك )، ومن ثَمّ تفنيد تلك الحجج .
    ومن أجل أن تُتِمَّ حجتها تقوم سيدة النساء (س) باستنصار الأنصار، وأصحاب الرسول (ص) المخلصين، وتنهي خطبتها ببشارتهم بالعذاب الإلهي . 

إنّ لحن سيدة النساء العالمين في هذه الخطبة الذي ينفذ إلى أعماق روح الإنسان وقلبه ، يبيّن حقيقةً مهمةً ، وهي أنّها محدّثة بليغة ، وخطيبة مقتدرة ، كزوجها أمير المؤمنين علي (ع) ، فقد كانت هذه الخطبة الغرّاء على غِرار خُطب علي (ع) في نهج البلاغة .
إنّ ما تضمّنته خطبة ابنة الرسول الكريم (ص) من تفسير للقضايا العقائدية والسياسية والاجتماعية ، لهو دليل واضح ودامغ على أنّ تلك الصدّيقة ليست متعلقةً بزمان دون آخر .الملاحم الثورية التي جرت على لسان فاطمة (س) في هذه الخطبة ، تدل على أنّها سيدة فدائية مجاهدة ، وزعيمة صالحة للمقاتلين في سبيل الله، والمجاهدين في سبيل الحق .

 

الخاتمة

فاطمة الزهراء (س)
شخصية إنسان تحمل طابع الأُنوثة لتكون آيةً على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب ، فإنّ الله تعالى خلق محمداً (ص) ليكون آية قدرته في الأنبياء ، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامة وآية على قدرة الله في إبداع مخلوق أُنثى تكون كتلة من الفضائل ، ومجموعة من المواهب فلقد أعطى الله تعالى فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة ، وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأية أُنثى أن تبلغ تلك المنزلة.
فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض، ونزلت في حقّهم آيات محكمات في الذكر الحكيم ، تُتلى آناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم القيامة .
شخصية كلّما ازداد البشر نضجاً وفهماً للحقائق، واطلاعاً على الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع ، وتجلّت معانيها ومزاياها بصُوَر أوضح .
إنّها فاطمة الزهراء ، الله يثني عليها ، ويرضى لرضاها ويغضب لغضبها .
ورسول الله (ص) ينوِّه بعظمتها وجلالة قدرها . وأمير المؤمنين (ع) ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام . وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ينظرون إليها بنظر التقديس والاحترام .
سيدة ، باسمها قامت حكومات ، وتأسست عروش، وباسمها انهارت عروش وتقوّضت حكومات .
وبحُبّها سوف ترى الناس يدخلون الجنة أفواجاً . ولأجل الانحراف عنها سيق الذين كفروا إلى جهنّم زُمَراً .
إنّ التحدّث عن حياة السيدة فاطمة الزهراء يشتمل على حوادث كلها عِبَر وحِكَم ودروس ، يتعرّف الإنسان بها على حياة أولياء الله وخاصّته ، وكيفيّة نظرتهم إلى الحياة ، ويطّلع على جانب من التاريخ الإسلامي المتعلّق بحياة السيدة فاطمة الزهراء بالرغم من قِصَر عمرها، وأنّها كانت تعيش في خدرها ، لا يطلع أحد على معاشرتها ، وسلوكها في البيت إلاّ أُسرتها وذووها .
وبالرغم من أنّ التاريخ ظلمها ، ولم يُعِر لحياتها وترجمتها اهتماماً لائقاً بها. فالتحدّث عن عبقرية السيدة فاطمة الزهراء يعتبر تحدّثاً عن المرأة في الإسلام من حيث حفظ كرامتها ، والاعتراف باحترامها وشخصيتها . ويشمل التحدّث نموذجاً من المرأة بصفتها بنتاً في دار أبيها ، وزوجة في دار بعلها ، وأُمًّا ومربيّة في البيت الزوجي .
ولا يخلو الكلام ـ هنا ـ عن التحدّث عن المرأة في الإسلام بصفتها إنسانة يُسمح لها بالعمل في الحقل الاجتماعي ، ولكن في إطار محدود بحدود الدين والعفّة ، والمحافظة على الشرف والكيان . ويتَّضح ـ ضمناً ـ أنّ الإسلام لا يحرم المرأة عن العلم والثقافة والأدب والمعرفة ولكن مع رعاية الابتعاد عن التبرّج والاستهتار والاختلاط ، وما شابه ذلك ممّا يسبّب الويلات على المرأة المسكينة ويدمِّر كيانها .
إنّني أعتقد أن ليس من الممكن أن يوجد في العالم قانون أو نظام أو جهاز يحافظ على حرمة المرأة وكيانها وشرفها أكثر من محافظة الدين الإسلامي لذلك . فالجمعيات والمنظّمات النسائية في البلاد الإسلامية لم تنفع المرأة أبداً بل قد جلبت عليها الشقاء بصورة فظيعة .
                      والحمد لله رب العالمين.





المنابع

  •  

القرآن الكريم
شريف راضي , محمد بن حسين ,نهج البلاغة 1414ھ
النسائي ,سنن النسائي ت 303ھ. ق دار إحياء ,بيروت
أمالي الطوسي ،  460ھ  مؤسسة الوفاء,بيروت لبنان .
 علامه محمد باقر مجلسي ,بحارالأنوار ,1111 ھ. ق,  مؤسسة  دار الوفاء,بيروت لبنان .
 الحُر العاملي,وسائل الشيعة ,مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ـ قم المشرّفة
العلامة المحقق الإربلي, كشف الغمة ،دار الکتاب الاسلامي ,بيروت لبنان
  محمد صادق الكرباسي,  دائرة المعارف الحسينية / معجم المصنفات
  الكليني,أصول الكافي,نشرثقافة اهل البت(ع),تهران
المحدث شيخ " الصفار",بصائر الدرجات
السيد محمّد كاظم القزويني ,فاطمة الزهراء (ع) من المهد إلى اللحد, دارالأنصار. قم ـ ايران ـ     الطبعة الثانية 1427 هـ 2006 م



[1]. الإسراء أية 1
[2]. فضائل أحمد بن حنبل ، والنسائي في الخصائص ص31 وابن الجوزي في التذكرةص316
[3]. أمالي الطوسي: ج [3] ص 37.
[4]بحار الأنوار: ج 43 ص 93 ح 3،
[5]. وسائل الشيعة: ج 4 ص 206
[6] . بحار الأنوار ج 43
[7] .بحار الأنوار ج 43 ص 31
[10]. الكوثر . 1
[12].  الكافي : ج 1 ,ص241 .
[13] . بحار الأنوار : ج 26 ,ص 39.
[14] . بصائر الدرجات :ص 158 و 161
[15]النجم . 4
[16]بصائر الدرجات : 159
[17] .الأحزاب .57
[18]تقدم ج 2  ص 111 عن مودة القربى على ما فى الاحقاق.
[19] .البحار ج ٤٣ ص ١٩٧. اتفقت المصادر الشيعية والسنية على أنّ أزلام أبي بكر هجموا على دار الزهراء عليها السلام.
[20] .فدك قرية تبعد عن المدينة عدّة فراسخ، كانت فيها بساتين ومزارع لليهود، فلما فرغ رسول الله صمن خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول الله صفصالحوه على النصف منها فقبل منهم ذلك. وكانت فدك لرسول الله صخالصة له، لأنّه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
  • ·          شرح ابن أبي الحديد ج ١٦ ص ٢١٠

Comments

Popular posts from this blog

الصالحون في القرآن

الذكر الكثير في القرآن و السنة

جمع القرآن الكريم