جمع القرآن الكريم







جمع القرآن الكريم



إعداد
ملك محمد سبطين اكبر



المقدمة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما بعد :
فقد أنزل الله عز وجل على عبده محمد صلى الله عليه وآله  وسلم القرآن الكريم ليكون للعالمين نذيرا ، وجعله خاتمة كتبه ، ومهيمنا عليها ، وحجة على خلقه ، ومعجزة لنبيه صلى الله عليه وآله  وسلم ، لهذا تكفل الله عز وجل بحفظه فقال { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [1]        وقال: { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [2]      وقال { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [3]، فهيأ لذلك الأسباب والرجال يحفظونه ، ويعلمونه ، ويقدمون أنفسهم في سبيل تعليم الناس بعض آيات من القرآن الكريم.
 ولإبراز ما تحقق للقرآن الكريم من عناية واهتمام حفظًا وكتابة أحببت الكتابة في هذا الموضوع ، وجعلته بعنوان : "جمع القرآن الكريم"

الفصل الأول

معنى جمع القرآن الكريم

المطلب الأول : معنى الجمع في اللغة

الجَمْع : مصدر الفعل "جَمَع" ، يقال : جمع الشيء يجمعه جمعا .
قال الجوهري المتوفى سنة 393هـ : ( أجمعتُ الشيءَ : جعلته جميعا ، والمجموع : الذي جُمِعَ من ههنا وههنا وإن لم يجعل كالشيء الواحد )
وقال الراغب الأصفهاني المتوفى سنة 502هـ : ( الجمع : ضم الشيء بتقريب بعضِهِ من بعض ، يقال : جمعته فاجتمع )
وقال ابن منظور المتوفى سنة 711هـ : ( جَمَعَ الشيءَ عن كل تفرقة يجمعه جمعا ، واستجمع السيل : اجتمع من كل موضع .

المطلب الثاني : معنى جمع القرآن في الاصطلاح

جمع القرآن الكريم يطلق في علوم القرآن على معنيين :
أحدهما : جمعه بمعنى حفظه في الصدور عن ظهر قلب ، ويدل عليه قوله تعالى { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [4]    أي : جمعه في صدرك ، وإثبات قراءته في لسانك   وما جاء « عن عبد الله بن عمرو  أنه قال : " جمعتُ القرآن فقرأته كلَّه في ليلة ، فقال رسول الله(ص): إني أخشى أن يطول عليك الزمان، وأن تملَّ ، فاقرأه في شهر، فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي قال : فاقرأه في عشرة ،  قلت : دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال: فاقرأه في سبع، قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى » فمعنى قوله : جمعت القرآن أي : حفظته عن ظهر قلب .
ومنه قولهم : " جُمَّاع القرآن " أي : حفاظه .
الثاني : جمعه بمعنى كتابته.

الفصل الثاني

حفظ القرآن الكريم

المطلب الأول : حفظ القرآن الكريم في السماء

لقد حظي كتاب الله عز وجل بالحفظ والعناية منذ أن كان في السماء حيث أودعه الله كتابا مكنونا وأقسم الله تعالى على هذه الحقيقة بقسم عظيم فقال : { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }{ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ }{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }{ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[5]
وقال عز وجل { فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ }{ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ }{ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ }{ كِرَامٍ بَرَرَةٍ }[6]. فهو في اللوح المحفوظ ، مصون مستور عن الأعين ، لا يطلع عليه إلاّ الملائكة المقربون ، ولا يمسه في السماء إلاّ الملائكة الأطهار ، ولا يصل إليه شيطان ، ولا يُنال من فالشياطين لا تمس هذا الكتاب [7]، وليس لها سبيل إليه ، وإنما تحف به الملائكة المقربون ، ويؤكد الله تعالى وصفه بكونه مكنونا بوصفه بكونه محفوظا في قوله تعالى { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ }{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ }[8].

المطلب الثاني : حفظ القرآن الكريم في طريقه إلى الأرض

حفظ الله عز وجل القرآن الكريم وهو في طريقه إلى الأرض فجاء به روح مطهر ، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل ، ولا وصول لها إليه ، قال تعالى { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ }{ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [9]، وإنما تناله الأرواح المطهرة وهم الملائكة [10]وحَفِظَه من الشياطين التي كانت تسترق السمع طلبا لخبر السماء ، فحفِظه بالحرس الأقوياء من الملائكة ، وبالكواكب التي تحرق وتمنع من أراد استراق السمع .
قال تعالى { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا }{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا }{ وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا }[11]        وقال عز وجل { وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ }{ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ }{ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ }{ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [12]
إذن حفظ الله عز وجل القرآن الكريم وهو في السماء ، وعند نزوله منها، وبعد نزوله إلى الأرض .

المطلب الثالث : حفظ القرآن الكريم على الأرض

لقد حفظ الله عز وجل القرآن الكريم على الأرض بواسطة رسول الله (ص) الذي استقبله فأحسن الاستقبال ، وحفظه أتم حفظ ، وقام به خير قيام ، وبلغه أحسن تبليغ والشواهد على ذلك كثيرة منها :
1- قوله تعالى { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ }{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ }[13]. فكان (ص) حين نزول القرآن عليه يتعجل ويبادر بأخذه ، واختلف في سبب ذلك .
فقيل : لما يجده من المشقة عند النزول ، فيتعجل لتزول المشقة سريعا.
وقيل خشية منه (ص) أن ينساه ، أو يتفلت منه شيء .
وقيل : لأجل أن يتذكره .
وقيل : من حبه إياه .جمع القرآن وتاريخه.

جمع القرآن على عهد النبي (ص)

جمع القرآن له معنيان احدهما حفظه على سبيل الاستيعاب ومنها قولنا جمّاع القرآن أي حفاظه والمعنى الآخر لجمعه كتابته وتسجيله.
فاما جمع القرآن بمعنى حفظه واستظهاره في لوح القلب فقد اوتيه رسول اللّه قبل الجمع فكان (ص) سيد الحفاظ وأول الجمّاع كما كان يرغب المسلمين باستمرار في حفظ القرآن وتدارسه واستظهاره ويدفع كل مهاجر جديد الى أحد الحفاظ من الصحابة ليعلمه القرآن ويستعمل مختلف اساليب التشجيع لتعميم حفظ القرآن واشاعة تلاوته حتى اصبح مسجد الرسول نادياً عامراً بتلاوة القرآن يضج بأصوات القراء فأمرهم النبي ان يخفضوا اصواتهم لئلا يتغالطوا وشاعت قراءة القرآن في كل مكان في المجتمع الاسلامي وافتتن المسلمون بتلاوته وشغفوا بقراءته والاستماع اليه وكان همهم الذي ملك عليهم قلوبهم حتى روي عن رسول الله (ص) انه قال (اني لاعرف اصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون واعرف منازلهم من اصواتهم بالليل وان كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار) وكان تدارس القرآن واستظهاره رائجاً بين الرجال والنساء. [14]
اما جمعه بمعنى كتابته وتسجيله فقد عرفنا في بحث ثبوت النص القرآني ان القرآن الكريم قد تم جمعه زمن الرسول الاعظم (ص) ولكن الرأي السائد في ابحاث علوم القرآن ان جمعه قد تم في عهد الشيخين وقد عرفنا أيضاً سلامة النص القرآني
من دون فرق بين الفرضية الاولى والثانية واشرنا الى بعض الشبهات التي اُثيرت حول الجمع بناء على الفرضية الثانية وناقشناها.
وهناك بعض الشبهات الاخرى تثار حول فرضية الجمع في عهد الشيخين أيضاً نذكر منهما الشبهتين التاليتين. ولعل من الجدير بالذكر ان هاتين الشبهتين قد اثيرتا في الابحاث الاسلامية فضلاً عن ابحاث المستشرقين ومقلديهم من الباحثين.

الشبهة الاولى

ان بعض النصوص التاريخية المروية عن أهل البيت (ع) وغيرهم تذكر وجود مصحف خاص لعلي بن أبي طالب (ع) يختلف عن المصحف الموجود المتداول بين المسلمين في الوقت الحاضر. ويشتمل هذا المصحف على زيادات وموضوعات ليست موجودة في المصحف المعروف.
وتتحدث هذه النصوص عن مجيء علي بن أبي طالب (ع) بهذا المصحف الى الخليفة الاول ابى بكر بقصد أن يأخذ المصحف المذكور مكانه من التنفيذ بين المسلمين. ولكن ابا بكر لم يقبل بذلك ورفض هذا المصحف.
ولما كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة علماً وديناً والتزاماً بالاسلام وحفاظاً عليه.. فمن الواضح حينئذ ان يكون المصحف الموجود فعلاً قد دخل عليه التحريف والنقصان نتيجة للطريقة الخاطئة التي اتبعت في جمعه والتي عرفنا بعض تفاصيلها.
ومن اجل ايضاح هذه الشبهة يورد انصارها بعض هذه النصوص التاريخية وهي :
1 - النص الذي جاء في احتجاج علي على جماعة من المهاجرين والانصار : فقال له علي (ع) يا طلحة ان كل آية انزلها اللّه جل وعلا   على محمد عندي باملاء رسول اللّه وخط يدي. وتأويل كل آية انزلها اللّه على محمد وكل حرام وحلال أو حد أو حكم أو شيء تحتاج اليه الامة الى يوم القيامة مكتوب باملاء رسول اللّه (ص) وخط يدي حتى ارش الخدش[15].
2 - النص الذي يتحدث عن احتجاج علي (ع) على الزنديق والذي جاء فيه : انه اتى بالكتاب على الملأ مشتملاً على التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لم يسقط منه حرف الف ولا لام فلم يقبلوا منه[16].
3- النص الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني في الكافي عن ابي جعفر الباقر (ع) انه قال: ما يستطيع احد ان يدعي ان عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الاوصياء[17].
4 - النص الذي رواه محمد بن يعقوب الكليني أيضاً في الكافي عن الباقر (ع) ما ادعى احد من الناس انه جمع القرآن كله كما انزل الا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزله اللّه تعالى الا علي بن أبي طالب (ع) والائمة من بعده (ع).
وتناقش هذه الشبهة : انه قد لا نشك في وجود مصحف لعلي (ع) يختلف مع المصحف الموجود فعلاً من حيث الترتيب بل قد يختلف عنه أيضاً لوجود اضافات أخرى فيه.
ولكن الشك في حقيقة هذه الزيادة. اذ لا دليل على انها زيادات قرآنية وانما تفسير هذه الزيادات على انها تأويلات للنص القرآني بمعنى ما يؤول اليه الشيء أو انها تنزيلات من الوحي الالهي نزلت على صدر رسول اللّه (ص) في تفسير وشرح القرآن وعلمها اخاه علي بن أبي طالب.
وليست كلمتا التأويل والتنزيل تعنيان في ذلك الوقت ما يراد منهما في اصطلاح علماء القرآن، حيث يقصد من التأويل حمل اللفظ على غير ظاهره والتنزيل خصوص النص القرآني وانما يراد منهما المعنى اللغوي الذي هو في الكلمة الاولى ما يؤول اليه الشيء ومصداقه الخارجي. وفي الثانية ما انزله اللّه وحياً على نبيه سواء كان قرآناً أو شيئاً آخر.
وعلى أساس هذا التفسير العام للموقف تتضح كثير من الجوانب الاخرى حيث يمكن ان تحمل الروايات التي اشارت لها الشبهة على معنى ينسجم مع هذا الموقف أيضاً كما فعل العلامة الطباطبائي ذلك في بعض هذه الروايات[18].
وبالاضافة الى ذلك نجد بعض هذه الروايات ضعيفة السند لا يصح الاحتجاج أو الاعتماد عليها في قبال ثبوت النص القرآني.

الشبهة الثانية

ان مجموعة كبيرة من الروايات الواردة من طريق أهل البيت (ع) دلت على وقوع التحريف في القرآن الكريم الامر الذي يجعلنا نعتقد ان ذلك كان نتيجة للطريقة التي تم بها جمع القرآن الكريم أو لاسباب طارئة أخرى أدت الى هذا التحريف.
وتناقش هذه الشبهة : بان الموقف تجاه هذه الروايات المتعددة يتخذ اسلوبين رئيسيين :
الاول : مناقشة اسانيد وطرق هذه الروايات فان الكثير منها قد تم    أخذه من كتاب أحمد بن محمد الباري الذي تم الاتفاق بين علماء الرجال على فساد مذهبه وانحرافه [19]    وكتاب علي بن أحمد الكوفي الذي رماه علماء الرجال بالكذب[20].
وبعض هذه الروايات وان كان صحيح السند الا انه لا يشكل قيمة كبيرة وان كان مجموع هذه الروايات قد يوجب حصول الاطمئنان - كما يقول السيد الخوئي - بصدور بعضها عن الامام (ع).
الثاني : مناقشة دلالتها على وقوع التحريف في القرآن بمعنى وقوع الزيادة أو النقيصة فيه.
ومن أجل ان يتضح الاسلوب الثاني من المناقشة يجدر بنا ان نقسم هذه النصوص الى أقسام أربعة تبعاً لاختلافها في المضمون وما تطرحه من دعاوى واحكام.

القسم الاول

النصوص التي جاء التصريح فيها بوقوع التحريف في القرآن الكريم عن طريق استعمال كلمة التحريف فيها ووصف القرآن بها. ومن هذه النصوص الروايات التالية :
1 - عن ابي ذر قال : لما نزلت هذه الآية (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) قال رسول اللّه (ص) : ترد امتي على يوم القيامة على خمس رايات... ثم ذكر ان رسول اللّه (ص) يسأل الرايات عما فعلوا بالثقلين فتقول الراية الاولى : اما الاكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا. واما الاصغر فعاديناه وابغضناه وظلمناه. وتقول الراية الثانية اما الاكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه واما الاصغر فعاديناه وقاتلناه..
2 - عن جابر الجعفي عن ابي جعفر (ع) قال : دعا رسول اللّه (ص) بمنى فقال : ايها الناس اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب اللّه وعترتي والكعبة والبيت الحرام ثم قال أبو جعفر (ع) اما كتاب اللّه فحرفوا، واما الكعبة فهدموا واما العترة فقتلوا، وكل ودائع اللّه قد نبذوا ومنها قد تبرؤا.
3 - عن علي بن سويد قال كتبت الى ابي الحسن موسى (ع) وهو في الحبس كتاباً... الى ان ذكر جوابه (ع) بتمامه وفيه قوله (ع) : اؤتمنوا على كتاب اللّه فحرفوه وبدلوه.
4 - عن عبد الاعلى قال : قال أبو عبد اللّه (ع) : أصحاب العربية يحرفون كلام اللّه عز وجل عن مواضعه.
ولا دلالة في هذه الروايات جميعها على وقوع التحريف في القرآن بمعنى الزيادة والنقيصة وانما تدل على وقوع التحريف فيه بمعنى حمل بعض الفاظه على غير معانيها المقصودة للّه سبحانه.
ونحن في الوقت الذي لا نشك بوقوع مثل هذا التحريف في القرآن الكريم نظراً لاختلاف التفاسير وتباينها.. لا نرى فيه ما يضر عظمة القرآن ويفيد في تأييد هذه الشبهة.
وقد يدل بعضها على تحريف بعض الكلمات القرآنية بمعنى قراءتها بشكل يختلف عن القراءة التي انزلت على صدر رسول اللّه. وهذا ينسجم مع الرأي الذي ينكر تواتر القراءات السبعة ويرى انها نتيجة لاختلاف الرواية أو الاجتهاد.

القسم الثاني

الروايات التي تدل على وقوع الزيادة والنقصان معاً في القرآن الكريم  ويناقش هذا القسم من الروايات بالمناقشتين التاليتين :
الاول : ان الامة الاسلامية بمذاهبها المختلفة اجمعت على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم بالزيادة. بالاضافة الى وجود النصوص الكثيرة الدالة على عدم وجود مثل هذا التحريف.
الثانية : ان هذا القسم يتنافى مع الكتاب نفسه. وقد أمر الأئمة من أهل البيت (ع) بلزوم عرض أحاديثهم على الكتاب الكريم وان ما خالف الكتاب فيضرب عرض الجدار.

القسم الثالث

الروايات التي دلت على ان القرآن الكريم قد تعرض للنقصان فقط. مثل ما رواه الكليني في الكافي عن أحمد بن محمد ابي نصر : (قال دفع الى ابي الحسن (ع) مصحفاً وقال لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه لم يكن الذين كفروا...) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم. قال فبعث الي : ابعث الي بالمصحف)[21].
ويناقش هذا القسم بان الزيادة الموجودة في مصحف ابي الحسن(ع)
أو غيره تحمل على ما سبقت الاشارة اليه من انها في مقام تفسير بعض الآيات. وفي المورد الذي لا يمكن ان يتم فيه مثل هذا الحمل والتفسير لا بد من طرح الرواية تمسكاً بالكتاب الكريم الذي أمرنا أهل البيت بعرض أحاديثهم عليه قبل الاخذ بمضمونها.

الفصل الثالث

تعارض روايات الجمع

إن هذه الروايات معارضة بما دل على أن القرآن كان قد جمع، وكتب على عهد رسول الله (ص) فقد روى جماعة، منهم ابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والضياء المقدسي، عن ابن عباس. قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر: "بسم الله الرحمن الرحيم"؟ ووضعتموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: إن رسول الله (ص) كان مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه السورة ذات العدد، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وتنزل عليه الآيات فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أول ما أنزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، وقبض رسول الله (ص) ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر: "بسم الله الرحمن الرحيم"
ووضعتهما في السبع الطوال [22].

وروى الطبراني، وابن عساكر عن الشعبي، قال:
"جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ستة     من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد، وأبوزيد وكان مجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاث"[23].
وروى قتادة، قال:"سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبوزيد"[24].
وروى مسروق: ذكر عبدالله بن عمر وعبدالله بن مسعود، فقال:"لا أزال أحبه، سمعت النبي (ص) يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبدالله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب"[25].
وأخرج النسائي بسند صحيح، عن عبدالله بن عمر، قال:"جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي (ص) في فقال: اقرأه في شهر..."[26].
وستجيء رواية ابن سعد في جمع أم ورقة القران.
ولعل قائلا يقول وإن المراد من الجمع في هذه الروايات هو الجمع في الصدور لا التدوين، وهذا القول دعوى لا شاهد عليها، أضف إلى ذلك أنك ستعرف أن حفاظ  القرآن على عهد رسول الله (ص) كانوا أكثر من أن تحصى أسماؤهم، فكيف يمكن حصرهم في أربعة أو ستة؟!! وإن المتصفح لأحوال الصحابة، وأحوال النبي (ص) يحصل له العلم اليقين بأن القرآن كان مجموعا على عهد رسول الله (ص) وأن عدد الجامعين له لا يستهان به. وأما ما رواه البخاري بإسناده عن أنس، قال: مات النبي (ص) ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، فهو مردود مطروح، لانه معارض للروايات المتقدمة، حتى لما رواه البخاري بنفسه. ويضاف إلى ذلك أنه غير قابل للتصديق به. وكيف يمكن أن يحيط الراوي بجميع أفراد المسلمين حين وفاة النبي (ص) على كثرتهم، وتفرقهم في البلاد، ويستعلم أحوالهم ليمكنه أن يحصر الجامعين للقرآن في أربعة، وهذه الدعوى تخرص بالغيب، وقول بغير علم.

وصفوة القول: أنه مع هذه الروايات كيف يمكن أن يصدق أن أبابكر كان أول من جمع القرآن بعد خلافته؟ وإذا سلمنا ذلك فلماذا أمر زيدا وعمر بجمعه من اللخاف، والعسب، وصدور الرجال، ولم يأخذه من عبدالله ومعاذ وأبي، وقد كانوا عند الجمع أحياء، وقد أمروا بأخذ القرآن منهم، ومن سالم؟ نعم إن سالما قد قتل في حرب اليمامة، فلم يمكن الأخذ منه. على أن زيدا نفسه كان أحد الجامعين للقرآن على ما يظهر من هذه الرواية، فلا حاجة إلى التفحص والسؤال من غيره، بعد أن كان شابا عاقلا غير متهم كما يقول أبوبكر، أضف إلى جميع ذلك أن أخبار الثقلين المتظافرة تدلنا على أن القرآن كان
 مجموعا على عهد رسول الله (ص) على ما سنشير إليه.



تعارض أحاديث الجمع مع الكتاب

إن هذه الروايات معارضة بالكتاب، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وان السور كانت منتشرة بين الناس، حتى المشركين وأهل الكتاب، فان النبي (ص) قد تحدى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القران، وبعشر سور مثله مفتريات، وبسورة من مثله، ومعنى هذا: أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم.
وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة، وفي قول النبي (ص): "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي" وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا، لأنه لا يصح إطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل ولا على ما كتب في اللخاف، والعسب، والاكتاف، إلا على نحو المجاز والعناية، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزءا غير مجتمع، فضلا عما إذا لم يكتب، وكان محفوظاً في الصدور فقط.

مخالفة أحاديث الجمع مع حكم العقل

إن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل، فإن عظمة القرآن في نفسه، واهتمام النبي (ص) بحفظه وقراءته، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي (ص) وما يستوجبه ذلك من الثواب، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لأن يكون القرآن موضعا لعناية المسلمين، وسببا لاشتهاره حتى بين الأطفال والنساء منهم، فضلا عن الرجال. وهذه الجهات هي:
1 ـ      بلاغة القرآن:    فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل بليغ،وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم، فالمؤمن يحفظه لإيمانه، والكافر يتحفظ به لأنه يتمنى معارضته، وإبطال حجته.
2 ـ    إظهار النبي (ص) رغبته بحفظ القرآن، والاحتفاظ به: وكانت السيطرة والسلطة له خاصة، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية، الذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا.
3 ـ    إن حفظ القرآن سبب لارتفاع شأن الحافظ بين الناس، وتعظيمه عندهم: فقد علم كل مطلع على التاريخ ما للقراء والحفاظ من المنزلة الكبيرة، والمقام الرفيع بين الناس، وهذا أقوى سبب لاهتمام الناس بحفظ القرآن جملة، أو بحفظ القدر الميسور منه.
4 ـ   الأجر والثواب الذي يستحقه القارئ والحافظ بقراءة القرآن وحفظه:     هذه أهم العوامل التي تبعث على حفظ القرآن والاحتفاظ به، وقد كان المسلمون يهتمون بشأن القرآن، ويحتفظون به أكثر من اهتمامهم بأنفسهم، وبما يهمهم من مال وأولاد. وقد ورد أن بعض النساء جمعت جميع القرآن.

أخرج ابن سعد في الطبقات: "أنبأنا الفضل بن دكين، حدثنا الوليد بن عبدالله بن جميع، قال: حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث، وكان رسول الله (ص) يزورها، ويسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن، ان رسول الله (ص) حين غزا بدرا، قالت له: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وامرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة؟ قال: إن الله مهد لك شهادة…"[27].
وإذا كان هذا حال النساء في جمع القرآن فكيف يكون حال الرجال؟ وقد عد من حفاظ القرآن على عهد رسول الله (ص) جم غفير. قال القرطبي: "قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء، وقتل في عهد النبي (ص) ببئر معونة مثل هذا العدد"[28]. وقد تقدم في الرواية "العاشرة" أنه قتل من القراء يوم اليمامة أربعمائة رجل على أن شدة اهتمام النبي (ص) بالقرآن، وقد كان له كتاب عديدون، ولا سيما أن القرآن نزل نجوما في مدة ثلاث وعشرين سنة، كل هذا يورث لنا القطع بأن النبي (ص)كان قد أمر بكتابة القرآن على عهده.

روى زيد بن ثابت، قال: "كنا عند رسول الله (ص) نؤلف القرآن من الرقاع". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وفيه الدليل الواضح: أن القرآن إنما جمع على عهد رسول الله[29].
وأما حفظ بعض سور القرآن أو بعض السورة فقد كان منتشرا جدا، وشذ أن يخلو من ذلك رجل أو امرأة من المسلمين. روى عبادة بن الصامت قال: "كان رسول الله (ص) يشغل، فإذا قدم رجل مهاجر على رسول الله (ص) دفعه إلى رجل منا يعلمه القرآن"[30].
وروى كليب، قال:"كنت مع علي (عليه السلام) فسمع ضجتهم في المسجد يقرؤون القران، فقال: طوبى لهؤلاء..."[31].
وعن عبادة بن الصامت أيضا:"كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي (ص) إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله (ص) ضجة بتلاوة القرآن، حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا"[32].
نعم إن حفظ القرآن ولو ببعضه كان رائجا بين الرجال والنساء من المسلمين، حتى أن المسلمة قد تجعل مهرها تعليم سورة من القرآن أو أكثر[33]  ومع هذا الاهتمام كله كيف يمكن أن يقال: إن جمع القرآن قد تأخر إلى زمان خلافة أبي بكر، وإن أبابكر احتاج في جمع القرآن إلى شاهدين يشهدان أنهما سمعا ذلك من رسول الله (ص).

مخالفة أحاديث الجمع للإجماع

إن هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبة من أن القرآن لا طريق لإثباته إلا التواتر، فإنها تقول: إن إثبات آيات القرآن حين الجمع كان منحصرا بشهادة شاهدين، أو بشهادة رجل واحد إذا كانت تعدل شهادتين، وعلى هذا فاللازم أن يثبت القرآن بالخبر الواحد أيضا، وهل يمكن لمسلم أن يلتزم بذلك؟ ولست أدري كيف يجتمع القول بصحة هذه الروايات التي تدل على ثبوت القرآن بالبينة، مع القول بأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، أفلا يكون القطع بلزوم كون القرآن متواترا سببا للقطع بكذب هذه الروايات أجمع؟
ومن الغريب أن بعضهم كابن حجر فسر الشاهدين في الروايات بالكتابة والحفظ[34]. وفي ظني أن الذي حمله على ارتكاب هذا التفسير هو ما ذكرناه من لزوم التواتر في القرآن. وعلى كل حال فهذا التفسير واضح الفساد من جهات: أما أولا: فلمخالفته صريح تلك الروايات في جمع القرآن، وقد سمعتها.
وأما ثانيا: فلان هذا التفسير يلزمه أنهم لم يكتبوا ما ثبت أنه من القرآن بالتواتر، إذا لم يكن مكتوبا عند أحد، ومعنى ذلك أنهم أسقطوا من القرآن ما ثبت بالتواتر أنه من القرآن.
وأما ثالثا: فلأن الكتابة والحفظ لا يحتاج إليهما إذا كان ما يراد كتابته متواترا، وهما لا يثبتان كونه من القرآن، إذا لم يكن متواترا. وعلى كل حال فلا فائدة في جعلهما شرطا في جمع القرآن.
وعلى الجملة لابد من طرح هذه الروايات، لأنها تدل على ثبوت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين.

أحاديث الجمع  عن منع الخلفاء جمعہ

إن هذه إسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم، مخالف للكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، فلا يمكن لقائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه، ولو سلمنا أن جامع القرآن هو أبوبكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة، وان جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر أن الجامع قد دون في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر.


نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد، وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة، وقد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة.
قال الحارث المحاسبي: "المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القران.." [35]منع عن الاختلاف في القرآن، ولكن الأمر الذي انتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين، حتى سموه بحراق المصاحف.
أقول: أما أن عثمان جمع المسلمين على قراءة واحدة، وهي القراءة التي كانت متعارفة بين المسلمين، والتي تلقوها بالتواتر عن النبي (ص) وأنه منع عن القراءات الأخرى المبتنية على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، التي تقدم توضيح بطلانها. أما هذا العمل من عثمان فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين، وذلك لأن الاختلاف في القراءة كان يؤدي إلى الاختلاف بين المسلمين، وتمزيق صفوفهم، وتفريق وحدتهم، بل كان يؤدي إلى تكفير بعضهم بعضا. وقد مر فيما تقدم بعض الروايات الدالة على أن النبي (ص)
ومما ذكرناه: قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلا من ضعف عقله، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل، أو من ألجأه إليه يجب القول به. والحب يعمي ويصم، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته.

الخاتمۃ

نزل القرآن على الرسول خلال نيف وعشرين سنة، وكان نزوله منجّما. ولقد سهّل ذلك على الرسول  وعلى صحبه حفظ ما كان ينزل من آي الذكر الحكيم. إن الرسول الكريم (ص) كان أول الحفاظ  وأجمعهم لكتاب الله. وكان إلى جانبه جمع من الصحابة يحفظون ما ينزل عليه من آيات الكتاب.
لكن الأمر لم يقف عند الحفظ بل قام إلى جانب الحفظ أيضا جهد دائب لتسجيل آيات الكتاب عقب نزولها. لقد جمع الرسول(ص) من حوله عددا من الكتّاب عرفوا بكتاب الوحي، وكان يملي على هؤلاء ما يوحى إليه فيكتبونه.
إن الكتابة لم تكن منتشرة في زمن الرسول. وكانت أدوات الكتابة نادرة، ولا عجب في ذلك، فالجزيرة العربية لم تعرف حينذاك الكتب ولا الكتّاب.
ولم تكن الكتابة في ذلك الوقت وسيلة الثقافة، ولا مصدر المعرفة. علينا أن نذكر أن الكتاب وليد عصر متأخر من عصور التطور الحضاري. وليست الكتابة من الأمور التي تعنى بها المجتمعات التي لم تبلغ درجة عالية من التطور الحضاري، وبخاصة قبل تيسير أدواتها، مما يسر صناعة الكتاب، وجعل له مكانة في المجتمعات الإنسانية.
إن حرص الرسول الكريم (ص) على تسجيل القرآن وحفظه كان عظيما. وقد تجلى هذا الحرص في اتخاذه كتابا للوحي، وإملائه عليهم كل ما كان ينزل عليه، وأمره الصريح للمسلمين ألا يكتبوا عنه شيئا غير القرآن.
ولقد سجّل القرآن الكريم على ما كان ميسورا من أدوات الكتابة كالعسب (جريد النخل)، واللخاف (الحجارة الرقاق)، والأديم والأكتاف (عظام الأكتاف)، والأقتاب (ما يوضع على ظهور الإبل). هذه السجلات المتنوعة كانت أول صورة لجمع الكتاب الكريم. وليس هناك خلاف على أن القرآن كله كان يسجل عقب نزوله، لكن هذا التسجيل لم يجعل في صورة تيسر وضع القرآن بين اللوحين أي في صورة كتاب مجموع بين الدفتين. ولعل تتابع نزول آيات الكتاب، واكتمال سوره على مراحل، وما كان يطرأ على بعض آياته من النسخ هي الأسباب التي أخّرت اتخاذ هذه الخطوة في حياة الرسول صلوات الله عليه.
والحمد لله رب العالمين....


















المنابع

1.       القرآن الكريم
2.      الضوء المنير لابن القيم
3.     البيان , الخوئي ,السيد أبو القاسم ,ت 1408              ه               دار الزهراء -بيروت
4.      احتجاج     ,الطبرسي,  أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي, سازمان كتابخانه ها، موزه ها و مركز اسناد آستان قدس رضوي ، 1390, مشهد.
5.     فیض کاشانی  ، محمد محسن ،تفسیر الصافی ، موسسۃ العلمیۃ للمطبوعات ، بیروت،الطبعۃ الثالثۃ،1402ق
6.      أصول الكافي, كليني ,محمد بن يعقوب, كتاب فروشي علمية اسلامية,تهران
7.     جامع الرواة,    اردبيليو محمد بن علي,دار الأضواء,بيروت ولبنان
8.     صحيح البخاري ، للبخاري , محمد بن اسماعيل, ت 256    ه .ق, دار المعرفة, بيروت
9.      الاتقان   في علوم القرآن ,سيوطي, جلال الدين ,ت    1407 ق  ,دار الكتب العلمية , بيروت
10.     سنن الترمذي,الترمذي   ,حافظ ابن عيسى محمد بن عيسى  سورة, ت 1403 ق ,دار الفكر للطباعة و النشر, بيروت.
11.     مسند احمد,المسند الاحمد بن حنبل، ت   241 ھ  ۔ق   دار الفکر  ،بیروت.
12.    کنز العمال ، للمتقی الھندی ،ت 975 ھ۔ق ، موسسۃ الرسالۃ ،بیروت.
13.   مناهل العرفان في علوم القرآن, زرقانی ، محمد عبدالعظیم.
14.     سنن أبو داود       ,لأبي داود,ت 275     ه .ق, دار إحياء السنة النبويةوبيروت .
15.   سنن النسائي, للنسائي ,ت 303           ه .ق          دار إحياء االتراث العربي , بيروت .
16.    ابن منظور،محمد بن مکرم،لسان العرب،دار صادر،بیروت،چاپ سوم،1414ق.
17.   اصفهانی،راغب،المفردات فی غریب القرآن،دار العلم الدار الدمشقیة،دمشق،بیروت،چاپ اول1412ق.







. الحجر : 9[1]
. فصلت :42[2]
. القيامة : 16-17[3]
. القيامة: 17[4]
. الواقعة : 75، 80[5]
. عبس : 13، 16 [6]
. الضوء المنير لابن القيم 5 : 587 .[7]
. البروج : 21، 22[8]
. الشعراء : 210، 211 [9]
. الضوء المنير 5 : 586 .[10]
. الجن: 8- 10 [11]
. الصافات : 7- 10[12]
. القيامة : 16 - 19[13]
. اعتمدنا بصورة رئيسية في هذا البحث على ما كتبه آية اللّه السيد الخوئي في البيان ص 172/181.[14]
. احتجاج الطبرسي : 1/223.[15]
. تفسير الصافي المقدمة السادسة ص 11.[16]
. أصول الكافي 1/228[17]
. ن. م 1/228.[18]
. جامع الرواة 1/67.[19]
. ن. م 1/553.[20]
. المصدر السابق : 2/631.[21]
. منتخب كنز العمال: 2 / 48.[22]
. منتخب كنز العمال: 2 / 52.[23]
. صحيح البخاري: 6 / 202، كتاب المناقب، باب القراء من أصحاب النبي (ص) رقم الحديث: 3526.[24]
. المصدر السابق.4[25]
. الاتقان: 1 / 124، النوع: 20.[26]
. الاتقان: 1 / 125، النوع 20.1[27]
. الاتقان: 1 / 122، النوع 20، وقال القرطبي في تفسيره: 1 / 59: وقتل منهم "القراء" في ذلك اليوم "يوم اليمامة" فيما قيل سبعمائة.[28]
. سنن الترمذي: كتاب المناقب، رقم الحديث: 3889. ومسند احمد: مسند الانصار، رقم الحديث: 20622.2[29]
. مسند احمد: 5 / 325، كتاب باقي مسند الانصار، رقم الحديث: 21703.3[30]
. كنز العمال: 2 / 185، الطبعة الثانية. فضائل القرآن.[31]
. مناهل العرفان. ص 324.1[32]
. رواه الشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي. التاج: 2 / 332.2[33]
. الاتقان: ص 100، النوع 18.[34]
. الاتقان: 1 / 103، النوع 18.[35]

Comments

Popular posts from this blog

الصالحون في القرآن

الذكر الكثير في القرآن و السنة